للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أرقت له مثل لمع البشير ... يقلب بالكف فرضا خفيفا١

وهي صورة -كما نرى- تستمد أصباغها من اللون المشرق من حياة المغامرة التي يحياها هؤلاء الصعاليك، ومن هنا جاءت طرافتها.

وحين يرسم أبو الطمحان صورة لشيخوخته، يستخدم لونين من ألوان الحياة الاجتماعية التي عاشها وتركت رواسبها في تفكيره، فالدهر قد حناه حتى صار كالصياد الماكر الذي يحني قامته ليخفي شخصه عن صيد يدنو منه، وهو قد أصبح قريب الخطو متثاقلا كالأسير المقيد:

حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتل يدنو لصيد

قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيدا أني بقيد٢

وهذان اللونان اللذان استخدمهما أبو الطمحان عاش في جوهما زمنا طويلا، فليس من شك في أن حياته صعلوكا اتصلت بالصيد اتصالا قريبا، وليس من شك أيضا في أن حياته مستجيرا في مكة بعد خلعه جعلته قريبا من تلك الأسواق التي تستقبل الأسرى لتنقلهم من قيود الأسر إلى قيود العبودية.

ويستخدم الشعراء الصعاليك ألوان المقامرة كثيرا في رسم صورهم التشبيهية. فالظبي المفزع عند أبي خراش ينطلق مسرعا كما ينطلق القداح المعلم يرسله الضارب بالقداح:

يطيح إذا الشعراء صاتت بجنبه ... كما طاح قدح المستفيض الموشم٣

وصاحبه في المرقبة يظل متربصا فوقها كأنه قدح كثير الفوز قد جعل صاحبه فيه علامة لشدة اعتزازه به وحرصه عليه:

يظل في رأسها كأنه زلم ... من القداح به ضرس وتعقيب٤

والصعلوك العامل الذي يمدحه عروة يظل مصدر تهديد لأعدائه مطلا


١ ديوان الهذليين القسم الثاني/ ٦٩، وشرح أشعار الهذليين ١/ ٤٣ وقد آثرت معنى البيت كما ورد في المصدر الأول - والفرض هنا الترس.
٢ الأغاني ١١/ ١٣٠ "بولاق"، والسجستاني: كتاب المعمرين / ٦٣.
٣ ديوان الهذليين القسم الثاني/ ١٤٦.
٤ المصدر السابق/ ١٦١.

<<  <   >  >>