للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ستلقيه الحياة على عاتقه فيما بعد، ذلك العبء الثقيل الذي لا يستطيع أن ينهض به إلا من أعدته الطبيعة له إعدادا خاصا، وهي صورة متكاملة الجوانب، دقيقة الخطوط، واضحة الألوان، يرسمها الشاعر لتأبط شرا، ولكنها تصلح أيضا لكل صعلوك من أولئك الصعاليك الأقوياء الذين روعوا الجزيرة العربية في عصرها الجاهلي، وأثاروا في أرجائها الرعب والفزع.

وحقا لقد كان هؤلاء الصعاليك فزعا رهيبا في هذا المجتمع الجاهلي، حتى لنسمع أن فارسا من فرسانه المعدودين، وهو عمرو بن معديكرب، يصرح بأنه لا يخشى أحد من فرسان العرب إلا أربعة، أحدهم السليك بن السلكة١، وأنه يستطيع وحده أن يحمي الظعينة ويخترق بها أعماق الصحراء ما لم يلقه واحد من هؤلاء الأربعة٢. وحسب السليك أن يقرن بعامر وعتيبة وعنترة، وأن يخشى بأسه عمرو بن معديكرب.

والواقع أن هذه الشجاعة الفائقة لم تكن مقصورة على صعلوك دون صعلوك، وإنما كانت صفة يمتاز بها كل صعاليك هذه الطائفة، حتى أصبح الصعلوك مثلا يضرب في الشجاعة٣. أما أولئك الصعاليك الذين عرفوا بالفرار فإنهم كانوا يعدونه لونا من ألوان قوتهم الجسدية؛ لأنه المجال الذي يظهرون فيه شدة


١ "ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها" يعني بالحرين عامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة، والسليك بن السلكة، "الأغاني ٨/ ٢٤٦".
٢ "لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها ما خفت أن أغلب عليها، ما لم يلقني حراها أو عبداها، فأما الحران فعامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وأما العبدان أسود بني عبس "يعني عنترة" والسليك بن السلكة، وكلهم قد لقيت، فأما عامر بن الطفيل فسريع الطعن على الصوت، وأما عتيبة فأول الخيل إذا أغارت وآخرها إذا آبت، وأما عنترة فقليل الكبوة شديد الجلب، وأما السليك فبعيد الغارة كالليث الضاري" "الأغاني ١٤/ ٢٨، فشرح ابن الأنباري على المفضليات/ ٧٠٤، ٧٠٥، وانظر أيضا أسامة بن منقذ: لباب الآداب/ ١٨١".
٣ "كان يقاتلهم بجنده مقاتلة الصعلوك" "من حديث لرسول المهلب يصف فيه للحجاج قتاله الخوارج - انظر المسعودي: مروج الذهب ٢/ ١٤٨".

<<  <   >  >>