لغتان، وقد قرىء بهما، والسبل- بضم الباء والتسكين لغة، وقد قرىء به وَيُخْرِجُهُمْ الضمير المنصوب عائد إلى مَنِ والجمع باعتبار المعنى كما أن إفراد الضمير المرفوع في اتَّبَعَ باعتبار اللفظ.
مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أي من فنون الكفر والضلال إلى الإيمان بِإِذْنِهِ أي بإرادته أو بتوفيقه.
وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو دين الإسلام الموصل إلى الله تعالى- كما قال الحسن- وفي إرشاد العقل السليم، وهذه الهداية عين الهداية إلى سُبُلَ السَّلامِ وإنما عطفت عليها تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما في قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ [هود: ٥٨] .
وقال الجبائي: المراد بالصراط المستقيم طريق الجنة لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ لا غير المسيح كما يقال: الكرم هو التقوى، وإن الله تعالى هو الدهر أي الجالب للحوادث لا غير الجالب، فالقصر هنا للمسند إليه على المسند بخلاف قولك: زيد هو المنطلق فإن معناه لا غير زيد، والقائلون لذلك- على ما هو المشهور- هم اليعقوبية المدعون بأن الله سبحانه قد يحل في بدن إنسان معين أو في روحه.
وقيل: لم يصرح بهذا القول أحد من النصارى، ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتا مع تصريحهم بالوحدة، وقولهم:
لا إله إلا واحد لزمهم أن الله سبحانه هو المسيح، فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم، وقال الراغب: فإن قيل: إن أحدا لم يقل الله تعالى هو المسيح وإن قالوا المسيح هو الله تعالى وذلك أن عندهم أن المسيح من لاهوت وناسوت فيصح أن يقال المسيح هو اللاهوت وهو ناسوت كما صح أن يقال: الإنسان هو حيوان مع تركبه من العناصر، ولا يصح أن يقال: اللاهوت هو المسيح كما لا يصح أن يقال: الحيوان هو الإنسان، قيل: إنهم قالوا: هو المسيح على وجه آخر غير ما ذكرت، وهو ما روي عن محمد بن كعب القرظي أنه لما رفع عيسى عليه الصلاة والسلام اجتمع طائفة من علماء بني إسرائيل فقالوا: ما تقولون في عيسى عليه الصلاة والسلام؟ فقال أحدهم: أو تعلمون أحدا يحيي الموتى إلا الله تعالى؟ فقالوا: لا، فقال: أو تعلمون أحدا يبرىء الأكمه والأبرص إلا الله تعالى؟
قالوا: لا، قالوا: فما الله تعالى إلا من هذا وصفه أي حقيقة الإلهية فيه، وهذا كقولك: الكريم زيد أي حقيقة الكرم في زيد، وعلى هذا قولهم: إن الله تعالى هو المسيح انتهى، وأنت تعلم أنه مع دعوى أن القائلين بالاتحاد يقولون بانحصار المعبود في المسيح كما هو ظاهر النظم لا يرد شيء قُلْ يا محمد تبكيتا لهم وإظهارا لبطلان قولهم الفاسد وإلقاما لهم الحجر، وقد يقال: الخطاب لكل من له أهلية ذلك، والفاء في قوله تعالى: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً عاطفة على مقدر، أو جواب شرط محذوف، ومِنَ استفهامية للإنكار والتوبيخ، والملك الضبط والحفظ التام عن حزم، والمراد هنا- فمن يمنع، أو يستطيع- كما في قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
ومِنَ اللَّهِ متعلق به على حذف مضاف أي ليس الأمر كذلك، أو إن كان كما تزعمون فمن يمنع من قدرته تعالى وإرادته شيئا إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ومن حق من يكون إلها أن لا يتعلق به، ولا بشأن من شؤونه، بل بشيء من الموجودات قدرة غيره فضلا عن أن يعجز عن دفع شيء منها عند تعلقها بهلاكه، فلما كان عجزه بينا لا ريب فيه ظهر كونه بمعزل عما تقولون فيه.
والمراد بالإهلاك الإماتة والإعدام مطلقا لا عن سخط وغضب، وإظهار المسيح على الوجه الذي نسبوا إليه