للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الكشف إن قولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ تعالى فيه إثبات الابن، وأنهم من أشياعه مستوجبون محبة الأب لذلك فينبغي أن يكون الرد مشتملا على هدم القولين فقيل: من أسندتم إليه البنوة لا يصلح لها لإمكان القبيح عليه وصدوره هفوة ومؤاخذته بالزلة ودعواكم المحبة كاذبة وإلا لما عذبتم، وأيضا إذا بطل أن يكون له تعالى ابن بطل أن يكونوا أشياعه، وكذلك المحبة المبنية على ذلك، ثم قال: وجاز أن يقال: إنه لإبطال أن يكونوا أبناء حقيقة كما يفهم من ظاهر اللفظ أو مجازا كما فسره الزمخشري اه.

وأنت تعلم أن كل ما ذكره ليس بشيء كما لا يخفى على من له أدنى تأمل، وما ذكرناه كاف في الغرض.

نعم ذكر الشهاب عليه الرحمة توجيها لا بأس به، وهو أن اللائق أن يكون مرادهم بكونهم أبناء الله تعالى أنه لما أرسل إليهم الابن على زعمهم وأرسل لغيرهم رسل عباده دل ذلك على امتيازهم عن سائر الخلق، وأن لهم مع الله تعالى مناسبة تامة وزلفى تقتضي كرامة لا كرامة فوقها، كما أن الملك إذا أرسل لدعوة قوم أحد جنده ولآخرين ابنه علموا أنه مريد لتقريبهم وأنهم آمنون من كل سوء يطرق غيرهم، ووجه الرد أنكم لا فرق بينكم وبين غيركم عند الله تعالى، فإنه لو كان كما زعمتم لما عذبكم وجعل المسخ فيكم، وكذا على كونه بمعنى المقربين المراد قرب خاص فيطابقه الرد ويتعانق الجوابان فافهمه انتهى، والجواب عن المناقشة التي فعلها البعض يعلم ممّا أشرنا إليه سابقا فلا تغفل وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما من تتمة الرد أي كل ذلك له تعالى لا ينتمي إليه سبحانه شيء منه إلا بالمملوكية والعبودية والمقهورية تحت ملكوته يتصرف فيه كيف يشاء إيجادا وإعداما، إحياء وإماتة، وإثابة وتعذيبا فأنّى لهؤلاء ادّعاء ما زعموا؟! وربما يقال: إن هذا مع ما تقدم ردّ لكونهم أبناء الله تعالى بمعنى أشياع بنيه، فنفى أولا كونهم أشياعا وثانيا وجود بنين له عز شأنه وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي الرجوع في الآخرة لا إلى غيره استقلالا أو اشتراكا فيجازي كلّا من المحسن والمسيء بما يستدعيه علمه من غير صارف يثنيه ولا عاطف يلويه.

يا أَهْلَ الْكِتابِ تكرير للخطاب بطريق الالتفات ولطف في الدعوة، وقيل: الخطاب هنا لليهود خاصة قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ على التدريج حسبما تقتضيه المصلحة- الشرائع والأحكام النافعة معادا ومعاشا- المقرونة بالوعد والوعيد، وحذف هذا المفعول اعتمادا على الظهور إذ من المعلوم أن ما يبينه الرسول هو الشرائع والأحكام، ويجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم أي يفعل البيان ويبذله لكم في كل ما تحتاجون فيه من أمور الدين، وأما إبقاؤه متعديا مع تقدير المفعول كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ كما قيل، فقد قيل فيه: مع كونه تكريرا من غير فائدة يرده قوله سبحانه: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ فإن فتور الإرسال وانقطاع الوحي إنما يحوج إلى بيان الشرائع والأحكام لا إلى بيان ما كتموه، وعَلى فَتْرَةٍ متعلق- بجاءكم- على الظرفية كما في قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [البقرة: ١٠٢] أي «جاءكم» على حين فتور من الإرسال وانقطاع الوحي ومزيد الاحتياج إلى البيان.

وجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من ضمير يُبَيِّنُ أو من ضمير لَكُمْ أي يُبَيِّنُ لَكُمْ حال كونه على فترة، أو حال كونكم على فترة. ومِنَ الرُّسُلِ صفة فَتْرَةٍ ومِنَ ابتدائية، أي فترة كائنة من الرسل مبتدأة من جهتهم، والفترة فعلة من فتر عن عمله يفتر فتورا إذا سكن، والأصل فيها الانقطاع عما كان عليه من الجد في العمل، وهي عند جميع المفسرين انقطاع ما بين الرسولين.

واختلفوا في مدتها بين نبينا صلّى الله عليه وسلّم وعيسى عليه السلام، فقال قتادة: كان بينهما عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة وستون سنة، وقال الكلبي: خمسمائة وأربعون سنة، وقال ابن جريج: خمسمائة سنة، وقال الضحاك:

أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة، وأخرج ابن عساكر عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنها ستمائة سنة، وقيل: كان بين

<<  <  ج: ص:  >  >>