وتعقبه بعض الفضلاء بأنه لا يخفى ما فيه لأن إطلاقها بالاعتبار الثاني على المحيط أيضا مجاز لأنه من باب تسمية المسبب باسم السبب اللهم إلا أن يقال: إنه أراد بكون إطلاقها على المحيط حقيقة أن إطلاقها عليه ليس مجازا بالوجه الذي كان به مجازا في الاعتبار الأول، فإن وجه المجاز فيه التسمية للمحيط باسم المحاط، وهاهنا ليس كذلك كما سمعت لكن هذا تكلف بعيد، ولو قال في وجه التسمية في اللاحق لأن هيئة الخط ذات دور على وفق قوله في وجه التسمية السابق لم يرد عليه هذا فتدبر، وكيفما كان فقد استعيرت لنوائب الزمان بملاحظة إحاطتها، وقولهم هذا كان اعتذارا عن الموالاة أي نخشى أن تدور علينا دائرة من دوائر الدهر ودولة من دولة بأن ينقلب الأمر للكفار وتكون الدولة لهم على المسلمين فنحتاج إليهم قاله مجاهد وقتادة والسدي.
وعن الكلبي أن المعنى نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه- كالجدب والقحط- فلا يميروننا ولا يقرضوننا، ولا يبعد من المنافقين أنهم يظهرون للمؤمنين أنهم يريدون بالدائرة ما قاله الكلبي، ويضمرون في دوائر قلوبهم ما قاله الجماعة المنبئ عن الشك في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد رد الله تعالى عليهم عللهم الباطلة وقطع أطماعهم الفارغة وبشر المؤمنين بحصول أمنيتهم بقوله سبحانه: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ فإن- عسى- منه عز وجل وعد محتوم لما أن الكريم إذا أطمع أطعم فما ظنك بأكرم الأكرمين، والمراد بالفتح فتح مكة- كما روي عن السدي- وقيل: فتح بلاد الكفار، واختاره الجبائي، وقال قتادة ومقاتل: هو القضاء الفصل بنصره عليه الصلاة والسلام على من خالفه وإعزاز الدين، وأن يأتي في تأويل المصدر، وهو خبر- لعسى- على رأي الأخفش، ومفعول به على رأي سيبويه لئلا يلزم الإخبار بالحدث عن الذات، والأمر في ذلك عند الأخفش سهل أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وهو القتل وسبي الذراري لبني قريظة، والجلاء لبني النضير عند مقاتل، وقيل: إظهار نفاق المنافقين مع الأمر بقتلهم، وروي عن الحسن والزجاج، وقيل: موت رأس النفاق، وحكي ذلك عن الجبائي فَيُصْبِحُوا أي أولئك المنافقون، وهو عطف على يَأْتِيَ داخل معه في حيز خبر عسى، وفاء السببية لجعلها الجملتين كجملة واحدة مغنية عن الضمير العائد على الاسم، والمراد فيصيروا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ من الكفر والشك في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم نادِمِينَ خبر- يصبح- وبه يتعلق عَلى ما أَسَرُّوا وتخصيص الندامة به لا بما كانوا يظهرونه من موالاة الكفرة لما أنه الذي كان يحملهم على تلك الموالاة ويغريهم عليها، فدل ذلك على أن ندامتهم على التولي بأصله وسببه.
وأخرج ابن منصور وابن أبي حاتم عن عمرو أنه سمع ابن الزبير يقرأ- عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين- قال عمرو: لا أدري أكان ذلك منه قراءة أم تفسيرا وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا كلام مستأنف مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو على أنه استئناف بياني كأنه قيل: فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟ وقرأ أبو عمرو ويعقوب «ويقول» بالنصب عطفا على «فيصبحوا» ، وقيل: على أَنْ يَأْتِيَ بحسب المعنى كأنه قيل: عسى أن يأتي الله بالفتح وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بإسناد يَأْتِيَ إلى الاسم الجليل دون ضميره، واعتبر ذلك لأن العطف على خبر- عسى- أو مفعولها يقتضي أن يكون فيه ضمير الله تعالى ليصح الإخبار به، أو ليجرى على استعماله، ولا ضمير فيه هنا ولا ما يغني عنه، وفي صورة العطف باعتبار المعنى تكون- عسى- تامة لإسنادها إلى أَنْ وما في حيزها فلا حاجة حينئذ إلى ضمير، وهذا كما قيل: قريب من عطف التوهم، وكأنهم عبروا عنه بذلك دونه تأدبا، وجوز بعضهم أن يكون أَنْ يَأْتِيَ بدلا من الاسم الجليل، والعطف على البدل، وعسى- تامة أيضا كما صرح به الفارسي، وبعضهم يجعل العطف على خبر- عسى- ويقدر ضميرا أي وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا به، وذهب ابن النحاس