وقد نقل الإمام أن غفران الشرك عندنا جائز. وعند جمهور البصريين من المعتزلة قالوا: لأن العقاب حق الله تعالى على المذنب وليس في إسقاطه على الله سبحانه مضرة. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السدي أن معنى الآية إن تعذبهم فتميتهم بنصرانيتهم فيحق عليهم العذاب فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام فإنك أنت العزيز الحكيم، وهذا قول عيسى عليه السلام في الدنيا اه.
ولا يخفى أنه مخالف لما يقتضيه السباق والسياق، وقيل: الترديد بالنسبة إلى فرقتين، والمعنى إن تعذبهم أي من كفر منهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم وتعف عمن آمن منهم فإنك إلخ وهو بعيد جدا، وظاهر ما قالوه أنه ليس في قوله سبحانه وإن تغفر إلخ تعريض بسؤال المغفرة وإنما هو لإظهار قدرته سبحانه وحكمته، ولذا قال سبحانه الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ دون الغفور الرحيم مع اقتضاء الظاهر لهما، وما
جاء في الإخبار مما أخرجه أحمد في المصنف والنسائي والبيهقي في سننه عن أبي ذر قال:«صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ إلخ فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت قال: إني سألت ربي سبحانه الشفاعة فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله تعالى من لا يشرك بالله تعالى شيئا»
وما
أخرجه مسلم وابن أبي الدنيا في حسن الظن والبيهقي في الأسماء والصفات. وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله سبحانه في إبراهيم عليه السلام رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم: ٣٦] الآية، وقوله عز وجل في عيسى ابن مريم: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ إلخ فرفع يديه فقال: اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله جلت رحمته: يا جبرائيل اذهب إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم فقل له: إنا سنقر عينك في أمتك ولا نسوءك»
وما
أخرجه ابن مردويه عن أبي ذر قال:«قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأبي أنت وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية من القرآن يعني بها هذه الآية ومعك قرآن أو فعل هذا بعضنا تال وجدنا عليه قال: دعوت الله سبحانه لأمتي قال: فماذا أجبت؟ قال:
أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: بلى فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا يتكلوا ويدعوا العبادة فناداه أن ارجع فرجع»
لا يقوم دليلا على أن في الآية تعريضا بطلب المغفرة للكافر إذ لا يبعد منه صلّى الله عليه وسلّم الدعاء لأمته وطلب الشفاعة لهم بهذا النظم لكن على الوجه الذي قصده عيسى عليه السلام منه، ويحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم اقتبس ذلك من القرآن مؤديا به مقصوده الذي أراده وليس ذلك أول اقتباس له عليه الصلاة والسلام فقد صرح بعض العلماء أن دعاء التوجه عند الشافعية من ذلك القبيل والصلاة لا تنافي الدعاء، وما أخرجه مسلم ومن معه ليس فيه أكثر من أن ما ذكر آثار كأمن (١) شفقته صلّى الله عليه وسلّم على أمته فدعا لهم بما دعا وذلك لا يتوقف على أن في الآية تعريضا لسؤال المغفرة للكافر، ثم إن للعلماء في بيان سر ذكر ذينك الاسمين الجليلين في الآية كلاما طويلا حيث أشكل وجه مناسبتهما لسياق ما قرنا به حتى حكي عن بعض القراء أنه غيرهما لسخافة عقله فكان يقرأ فإنك أنت الغفور الرحيم إلى أن حبس وضرب سبع درر، ووقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود فإنك أنت العزيز الغفور كما نقل ذلك ابن الأنباري، وقد علمت أحد توجيهاتهم لذلك.
وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فدفع توهم ذلك بذكرهما، وفي أمالي العز بن عبد السلام أن الْعَزِيزُ معناه هنا الذي لا نظير له، والمعنى