للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم المشركون إلى الكلام مع جماعة أخرى هم اليهود قبل إتمام الكلام الأول لأن إتمامه بقوله سبحانه: قُلِ اللَّهُ إلخ بخلاف الالتفات على القول الثاني، والجملة- على ما قال أبو البقاء- في موضع الحال من فاعل تَجْعَلُونَهُ بإضمار قد أو بدونه على اختلاف الرأيين، وعليه- كما قال شيخ الإسلام- فينبغي أن يجعل ما عبارة عما أخذوه من الكتاب من العلوم والشرائع ليكون التقييد بالحال مفيدا لتأكيد التوبيخ وتشديد التشنيع لا على ما تلقوه من جهة النبي صلّى الله عليه وسلّم زيادة على ما في التوراة وبيانا لما التبس عليهم وعلى آبائهم من مشكلاتها حسبما ينطق به قوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل: ٧٦] لأن تلقيهم ذلك ليس مما يزجرهم عما صنعوا بالتوراة فتكون الجملة حينئذ خالية عن تأكيد التوبيخ فلا تستحق أن تقع موقع الحال بل الوجه حينئذ أن يكون استئنافا مقررا لما قبله من مجيء الكتاب بطريق التكملة والاستطراد والتمهيد لما يعقبه من مجيء القرآن، ولا سبيل- كما قال- إلى جعل ما عبارة عما كتموه من أحكام التوراة كما يفصح عنه قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ [المائدة: ١٥] فإن ظهوره وإن كان مزجرة لهم عن الكتم مخافة الافتضاح ومصححا لوقوع الجملة في موقع الحال لكن ذلك مما يعلمه الكاتمون حتما.

وجوز أن تكون الجملة معطوفة على مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ من حيث المعنى أي قل من أنزل الكتاب ومن علمكم ما لم تعلموا وفيه بعد. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد أن هذا خطاب للمسلمين. وروي عنه أنه قرأ «وعلمتم معشر العرب ما لم» إلخ وهو عند قوم اعتراض للامتنان على النبي صلّى الله عليه وسلّم واتباعه بهدايتهم للمجادلة بالتي هي أحسن.

وقال بعضهم: إن الناس فيما تقدم عام يدخل فيهم المسلمون واليهود، وعُلِّمْتُمْ عطف على تَجْعَلُونَهُ والخطاب فيه للناس باعتبار اليهود وفي عُلِّمْتُمْ لهم باعتبار المسلمين ولا يخفى أنه تكلف.

وقوله سبحانه: قُلِ اللَّهُ أمر لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يجيب السؤال السابق عنهم إشارة إلى أنهم ينكرون الحق مكابرة منهم، وإشعارا بتعين الجواب وإيذانا بأنهم أفحموا، ولم يقدروا على التكلم أصلا، والاسم الجليل إما فاعل مقدر أو مبتدأ خبره جملة مقدرة أي أنزله الله أو الله تعالى أنزله، والخلاف في الأرجح من الوجهين مشهور ثُمَّ ذَرْهُمْ أي دعهم فِي خَوْضِهِمْ أي باطلهم فلا عليك بعد إلزام الحجة وإلقام الحجر يَلْعَبُونَ في موضع الحال من- هم- الأول، والظرف صلة ذَرْهُمْ أو يَلْعَبُونَ أو حال من مفعول ذَرْهُمْ أو من فاعل يَلْعَبُونَ.

وجوز أن يكون في موضع الحال من- هم- الثاني. وهو في المعنى فاعل المصدر المضاف إليه، والظرف متصل بما قبله إما على أنه لغو أو حال من- هم- ولا يجوز حينئذ جعله متصلا بيلعبون على الحالية أو اللغوية لأنه يكون معمولا له متأخرا عنه رتبة ومعنى مع أنه متقدم عليه رتبة أيضا لأن العامل في الحال عامل في صاحبها فيكون فيه دور وفساد في المعنى. والآية عند بعض منسوخة بآية السيف، واختار الإمام عدم النسخ لأنها واردة مورد التهديد وهو لا ينافي حصول المقاتلة فلم يكن ورود الآية الدالة على وجوبها رافعا للمدلول فلم يحصل النسخ فيه وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ تحقيق لإنزال القرآن الكريم بعد تقرير إنزال ما يشير به من التوراة وتكذيب لكلمتهم الشنعاء إثر تكذيب، وتنكير كِتابٌ للتفخيم، وجملة أَنْزَلْناهُ في موضع الرفع صفة له.

وقوله سبحانه: مُبارَكٌ أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة. قال الإمام: جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عن هذا الكتاب المتمسك به يحصل به عز الدنيا وسعادة الآخرة، ولقد شاهدنا والحمد لله عز وجل ثمرة خدمتنا له في الدنيا فنسأله أن لا يحرمنا سعادة الآخرة إنه البر الرحيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>