منه فإنه يضمن الدية لأن استيفاء حقه مباح فأخذ المتولد منه، والإمام إذا قطع يد السارق فمات لا يضمن لأنه فرض عليه فلم يؤخذ بالمتولد منه اه. ومن هنا لا تحمل الطاعة فيما تقدم على إطلاقها كَذلِكَ أي مثل ذلك التزيين القوي زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم عَمَلَهُمْ من الخير والشر بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا أو تخذيلا، وجوز أن يراد بكل أمة أمم الكفر إذ الكلام فيهم وبعملهم شرهم وفسادهم، والمشبه به تزيين سب الله تعالى شأنه لهم، واستدل بالآية على أنه تعالى هو الذي زين للكافر الكفر كما زين للمؤمن الإيمان.
وأنكر ذلك المعتزلة وزين لهم الشيطان أعمالهم فتأولوا الآية بما لا يخفى ضعفه ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مالك أمرهم مَرْجِعُهُمْ أي رجوعهم ومصيرهم بالبعث بعد الموت فَيُنَبِّئُهُمْ من غير تأخير بِما كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا على الاستمرار من خير أو شر، وذلك بالثواب على الأول والعقاب على الثاني، فالجملة للوعد والوعيد. وفسر بعضهم ما بالسيئات المزينة لهم وقال: إن هذا وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وَأَقْسَمُوا أي المشركون بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي جاهدين فيها. فجهد مصدر في موضع الحال.
وجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي أقسموا بجهد أيمانهم أي أوكدها وهو بفتح الجيم وضمها في الأصل بمعنى الطاقة والمشقة، وقيل: بالفتح المشقة وبالضم الوسع، وقيل: ما يجهد الإنسان، والمعنى هنا على ما قال الراغب: إنهم حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم أو من جنس الآيات. ورجحه بعض المحققين بأنه الأنسب بحالهم في المكابرة والعناد وترامي أمرهم في العتو والفساد حيث كانوا لا يعدون ما يشاهدونه من المعجزات القاهرة من جنس الآيات فاقترحوا غيرها لَيُؤْمِنُنَّ بِها وما كان مرمى غرضهم إلا التحكم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طلب المعجزة وعدم الاعتداد بما شاهدوا منه عليه الصلاة والسلام من البينات. والباء صلة الإيمان، والمراد من الإيمان بها التصديق بالنبي صلّى الله عليه وسلّم. وجعلها للسببية على معنى ليؤمنن بك بسببها خلاف الظاهر.
قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ أي كلها فيدخل ما اقترحوه فيها دخولا أوليا عِنْدَ اللَّهِ أي أمرها في حكمه وقضائه خاصة يتصرف فيها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة لا تتعلق بها قدرة أحد ولا مشيئته استقلالا ولا اشتراكا بوجه من الوجوه حتى يمكنني أن أتصدى لإنزالها بالاستدعاء وهذا كما ترى سد لباب الاقتراح.
وقيل: إن المعنى إنما الآيات عند الله لا عندي فكيف أجيبكم إليها أو آتيكم بها أو المعنى هو القادر عليها لا أنا حتى آتيكم بها. واعترض ذلك شيخ الإسلام بعد أن اختار ما قدمناه بأنه لا مناسبة له بالمقام كيف لا وليس مقترحهم مجيئها بغير قدرة الله تعالى فتدبر.
روي أن قريشا اقترحوا بعض آيات فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني فقالوا: نعم وأقسموا لئن فعلته لنؤمنن جميعا فسأل المسلمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينزلها طمعا في إيمانهم فهم عليه الصلاة والسلام بالدعاء فنزلت.
وأخرج ابن جرير عن محمد القرظي قال: كلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى عليه السلام كان معه عصا يضرب بها الحجر وأن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى وأن ثمود كانت لهم ناقة فائتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي شيء تحبون أن آتيكم به؟
قالوا: تحول لنا الصفا ذهبا قال: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين فقام رسول الله عليه الصلاة والسلام يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال صلّى الله عليه وسلّم: اتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى يَجْهَلُونَ.