بعد ذلك فكان كالفائت، وضمير تكون للأموال على معنى تكون عاقبتها عليهم حسرة، فالكلام على تقدير مضافين أو ارتكاب تجوز في الإسناد.
وقال العلامة الثاني: إنه من قبيل الاستعارة في المركب حيث شبه كون عاقبة انفاقهم حسرة بكون ذات الأموال كذلك وأطلق المشبه به على المشبه وفيه خفاء، ومن الناس من قال: إن إطلاق الحسرة بطريق التجوز على الانفاق مبالغة فافهم ثُمَّ يُغْلَبُونَ أي في مواطن أخر بعد ذلك وَالَّذِينَ كَفَرُوا أي الذين أصروا على الكفر من هؤلاء ولم يسلموا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ أي يساقون لا إلى غيرها لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ أي الكافر من المؤمن أو الفساد من الصلاح، واللام على الوجهين متعلقة بيحضرون وقد يراد من الخبيث ما أنفقه المشركون لعداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومِنَ الطَّيِّبِ ما أنفقه المسلمون لنصرته عليه الصلاة والسلام، فاللام متعلقة بتكون عليهم حسرة دون يحشرون، إذ لا معنى لتعليل حشرهم بتمييز المال الخبيث من الطيب، ولم تتعلق بتكون على الوجهين الأولين إذ لا معنى لتعليل كون أموالهم عليهم حسرة بتمييز الكفار من المؤمنين أو الفساد من الصلاح. وقرأ حمزة. والكسائي.
ويعقوب «ليميّز» من التمييز وهو أبلغ من الميز لزيادة حروفه. وجاء من هذا ميزته فتميز ومن الأول مزته فانمازوا. وقرىء شاذا فانمازوا اليوم أيها المجرمون [سورة ص: ٥٩] وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً أي يضم بعضه إلى بعض ويجمعه من قولهم: سحاب مركوم ويوصف به الرمل والجيش أيضا، والمراد بالخبيث إما الكافر فيكون المراد بذلك فرط ازدحامهم في الحشر، وإما الفساد فالمراد أنه سبحانه يضم كل صنف بعضه إلى بعض فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ كله، وجعل الفساد فيها بجعل أصحابه فيها، وأما المال المنفق في عداوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجعله في جهنم لتكوى به جباههم وجنوبهم.
وقد يراد به هنا ما يعم الكافر وذلك المال على معنى أنه يضم إلى الكافر الخبيث ماله الخبيث ليزيد به عذابه ويضم إلى حسرة الدنيا حسرة الآخرة أُولئِكَ إشارة إلى الخبيث، والجمع لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين الذين بقوا على الكفر فوجه الجمع ظاهر، وما فيه من معنى البعد على الوجهين للايذان ببعد درجتهم في الخبث.
هُمُ الْخاسِرُونَ أي الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي المعهودين وهم أبو سفيان وأصحابه، واللام عند جمع للتعليل أي قل لأجلهم إِنْ يَنْتَهُوا عما هم فيه من معاداة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالدخول في الإسلام يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ منهم من الذنوب التي من جملتها المعاداة والانفاق في الضلال، وقال أبو حيان: الظاهر أن اللام للتبليغ وأنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يقول هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ هذه الجملة المحكية بالقول سواء قاله بهذه العبارة أم غيرها، وهذا الخلاف إنما هو على قراءة الجماعة وأما على قراءة ابن مسعود «ان تنتهوا يغفر لكم» بالخطاب فلا خلاف في أنها للتبليغ على معنى خاطبهم بذلك، وقرىء «نغفر لهم» على أن الضمير لله عزّ وجلّ وَإِنْ يَعُودُوا إلى قتاله صلّى الله عليه وسلّم أو إلى المعاداة على معنى إن داوموا عليها فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ أي عادة الله تعالى الجارية في الذين تحزبوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نصر المؤمنين عليهم وخذلانهم وتدميرهم. وأضيفت السنة إليهم لما بينهما من الملابسة الظاهرة، ونظير ذلك قوله سبحانه: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا [الإسراء: ٧٧] فأضاف السنة إلى المرسلين مع أنها سنته تعالى لقوله سبحانه: وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا [الإسراء: ٧٧] باعتبار جريانها على أيديهم، ويدخل في الأولين الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر، وبعضهم فسره بذلك ولعل الأول أولى لعمومه ولأن السنة تقتضي التكرر في العرف وإن قالوا: العادة تثبت بمرة، والجملة على ما