للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: ليبلوكم أيكم أحسن عقلا، ثم قال: وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله تعالى وأعملكم بطاعة الله تعالى»

لكن ذكر الحافظ السيوطي أن سنده واه.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان أن معنى أَحْسَنُ عَمَلًا أزهد في الدنيا، وعن مقاتل أتقى لله تعالى، وعن الضحاك أكثرهم شكرا. ولعل أخذ العمل شاملا للأمرين أولى، وأفضلها ما كان عمل القلب كيف لا ومدار العبادة القالبية الواجبة على العباد معرفة الله تعالى التي تحل القلب، وقد يرفع به للعبد في يوم مثل عمل أهل الأرض.

وفي بعض الآثار «تفكر ساعة يعدل عبادة سبعين سنة»

واعتبار خلق السماوات في ضمن المفرع عليه لما أن في السماوات مما هو من مبادئ النظر وتهيئة أسباب المعاش الأرضية التي بها قوام القالب ما لا يخفى، وقريب من هذا أن ذكر السماوات وخلقها لتكون أمكنة الكواكب والملائكة العاملين فيها لأجل الإنسان.

وقال بعض المحققين: إن كون خلق الأرض وما فيها للابتلاء ظاهر، وأما خلق السماوات فذكر تتميما واستطرادا مع أن السماوات مقر الملائكة الحفظة وقبلة الدعاء ومهبط الوحي إلى غير ذلك مما له دخل في الابتلاء في الجملة، ولعل ما أشير إليه أولا أولى، وجملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني لفعل البلوى على المشهور، وجعل في الكشاف الفعل هنا معلقا لما فيه من معنى العلم، ومنع في سورة الملك تسمية ذلك تعليقا مدعيا أنه إنما يكون إذا وقع بعد الفعل ما يسدّ مسدّ المفعولين جميعا- كعلمت أيهما فعل كذا. وعلمت أزيد منطلق- وبين كلاميه في السورتين اضطراب بحسب الظاهر، وأجاب عنه في الكشف بما حاصله أن للتعليق معنيين: مصطلح ويعدى بعن وهو المنفي في تلك السورة ولغوي ويعدى بالباء وعلى، وهو خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين ولا يكون إلا في الاستفهام خاصة دون ما فيه لام الابتداء ونحوه، ومعنى تعليق الفعل على ما فيه ذلك أن يرتبط به معنى وإعرابا سواء كان لفظا أو محلا وهو المثبت هاهنا، وقال الطيبي: يمكن أن يكون ما هنا على إضمار العلم كأنه قيل: لِيَبْلُوَكُمْ فيعلم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا والتعليق فيه ظاهر، وما هناك على تضمين الفعل معنى العلم كأنه قيل: ليعلمكم أيكم إلخ فيصح النفي، ولا يخفى على من راجع كلامه أن فيه ما يأبى ذلك، وقد يقال: إن التعليق لا يختص بما كان من الأفعال بمعنى العلم كما ذهب إليه ثعلب والمبرد وابن كيسان، وإن وجهه أويس بما في همع الهوامع، ورجحه الشلوبين، ولا بالفعل القلبي مطلقا بل يكون فيه وفي غيره مما ألحق به لكن مع الاستفهام خاصة، واقتصر بعضهم في الملحق على بصر وتفكر وسأل- وزاد ابن خروف نظر- ووافقه ابن عصفور، وابن مالك، وزاد الأخير نسي كما في قوله:

ومن أنتم إنا نسينا من أنتم ونازعه أبو حيان بأن- من- تحتمل الموصولية والعائد محذوف أي من هم أنتم، وكذا زاد أيضا ما قارب المذكورات من الأفعال التي لها تعلق بفعل القلب- كترى البصرية- في قوله: أما ترى أي برق هنالك. وكيستنبئون في قوله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ [يونس: ٥٣] وكنبلو فيما نحن فيه، ونازعه أبو حيان بأن ترى في الأول علمية، وأيكم في الأخير موصولة حذف صدر صلتها فبنيت وهي بدل من ضمير الخطاب بدل بعض، ونقل ذلك عنه الجلال السيوطي ولم أجده في بحره، وفي الرضي أن جميع أفعال الحواس تعلق عن العمل، وفي التسهيل ما يؤيده، وأجاز يونس تعليق كل فعل غير ما ذكر، وخرج عليه ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ [مريم: ٦٩] والجمهور لم يوافقوه على ذلك، وقد ذكر بعض الفضلاء أن الفعل القلبي وما جرى مجراه إما متعد إلى واحد أو اثنين، فالأول يجوز تعليقه سواء تعدى بنفسه كعرف، أو بحرف كتفكر لأن معموله لا يكون إلا مفردا، وبالتعليق بطل عمله في

<<  <  ج: ص:  >  >>