للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء جهة العلو كما قيل جاز (١) ، والالتفات من الخطاب إلى الاسم الجليل للإشعار بعلة الحكم والإيذان بعمومه لأنه ليس بشأن يختص به أو بمن يتعلق به بل شامل لجميع الأشياء فالمناسب ذكره تعالى بعنوان مصحح لمبدئية الكل، وعن الجبائي أن هذا من كلام الله تعالى شأنه وارد بطريق الاعتراض لتصديقه عليه السلام كقوله سبحانه: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: ٣٤] والأكثرون على الأول. ومِنْ على الوجهين للاستغراق الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ أي مع كبر سني ويأسي عن الولد- فعلى- بمعنى مع كما في قوله:

إني على ما ترين من كبري ... أعرف من أين تؤكل الكتف

والجار والمجرور في موضع الحال، والتقييد بذلك استعظاما للنعمة وإظهار الشكر لها، ويصح جعل «على» بمعناها الأصلي والاستعلاء مجازي كما في البحر، ومعنى استعلائه على الكبر أنه وصل غايته فكأنه تجاوزه وعلا ظهره كما يقال: على رأس السنة، وفيه من المبالغة ما لا يخفى، وقال بعضهم: لو كانت للاستعلاء لكان الأنسب جعل الكبر مستعليا عليه كما في قولهم: على دين، وقوله: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ [الشعراء: ١٤] بل الكبر أولى بالاستعلاء منهما حيث يظهر أثره في الرأس وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: ٤] نعم يمكن أن تجري على حقيقتها بجعلها متعلقة بالتمكن والاستمرار أي متمكنا مستمرا على الكبر فهو الأنسب كاظهار ما في الهيئة من الآية حيث لم يكن في أول الكبر اه وفيه غفلة عما ذكرنا إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه وهب له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، ووهب له إسحق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة، وفي رواية أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين، وإسحق لسبعين، وعن ابن جبير لم يولد لإبراهيم عليه السلام إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة إِنَّ رَبِّي ومالك أمري لَسَمِيعُ الدُّعاءِ أي لمجيبه فالسمع بمعنى القبول والإجابة مجاز كما في سمع الله تعالى لمن حمده، وقولهم: سمع الملك كلامه إذا اعتد به وقبله، وهو فعيل من أمثلة المبالغة وأعمله سيبويه وخالف في ذلك جمهور البصريين، وخالف الكوفيون فيه وفي أعمال سائر أمثلتها، وهو إذا قلنا بجواز عمله مضاف لمفعوله أن أريد به المستقبل، وقيل: إنه غير عامل لأنه قصد به الماضي أو الاستمرار، وجوز الزمخشري أن يكون مضافا لفاعله المجازي فالأصل سميع دعاؤه بجعل الدعاء نفسه سامعا، والمراد أن المدعو وهو الله تعالى سامع. وتعقبه أبو حيان بأنه بعيد لاستلزامه أن يكون من باب الصفة المشبهة وهو متعد ولا يجوز ذلك إلا عند الفارسي حيث لا يكون لبس نحو زيد ظالم العبيد إذا علم أن له عبيدا ظالمين، وهاهنا فيه البأس لظهور أنه من إضافة المثال للمفعول انتهى، وهو كلام متين.

والقول بأن اللبس منتف لأن المعنى على الإسناد المجازي كلام واه لأن المجاز خلاف الظاهر فاللبس فيه أشد ومثله القول بأن عدم اللبس إنما يشترط في إضافته إلى فاعله على القطع، وهذا كما قال بعض الأجلة مع كونه من تتمة الحمد والشكر لما فيه من وصفه تعالى بأن قبول الدعاء عادته سبحانه المستمرة تعليل على طريق التذييل للهبة المذكورة وفيه إيذان بتضاعيف النعمة فيها حيث وقعت بعد الدعاء بقوله: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:

١٠٠] فاقترنت الهبة بقبول الدعوة، وذكر بعضهم أن موقع قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ وتذييله موقع الاعتراض بين أدعيته عليه السلام في هذا المكان تأكيدا للطلب بتذكير ما عهد من الإجابة، يتوسل إليه سبحانه بسابق نعمته تعالى في شأنه كأنه عليه السلام يقول اللهم استجب دعائي في حق ذريتي في هذا المقام فإنك لم تزل سميع الدعاء وقد دعوتك على الكبر أن تهب لي ولدا فأجبت دعائي وهبت لي إسماعيل وإسحاق ولا يخفى أن إسحاق عليه السلام لم يكن


(١) قيل وهو أوفق بافراد السماء اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>