فكأنه سبحانه يقول: قد أعطيتكم سبعا هي خير من سبع قوافل، وروي هذا عن الحسن بن الفضل. وتعقب بأنه ضعيف أو لا يصح لأن السورة مكية وقريظة والنضير كانوا بالمدينة فكيف يصح أن يقال ذلك وهو كما ترى. نعم
روي أنه صلى الله عليه وسلم وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها إلخ
وهو غير معروف، وقد قالوا: إنه لم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام، واستؤنس بخبر النزول على أن النهي معني به سيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام كالنهي في قوله تعالى:
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ حيث إنهم لم يؤمنوا، وكان صلى الله عليه وسلم يود أن يؤمن كل من بعث إليه وشق عليه الصلاة والسلام لمزيد شفقته بقاء الكفرة على كفرهم ولذلك قيل له: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وكأن مرجع الجملة الأولى إلى النهي عن الالتفات إلى أموالهم ومرجع هذه الجملة إلى النهي عن الالتفات إليهم، وليس المعنى لا تحزن عليهم حيث إنهم المتمتعون بذلك فإن التمتع به لا يكون مدارا للحزن عليهم، وكون المعنى لا تحزن على تمتعهم بذلك فالكلام على حذف مضاف لا يخفى ما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع إليه وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ كناية عن التواضع لهم والرفق بهم، وأصل ذلك أن الطائر إذا أراد أن يضم فرخه إليه بسط جناحيه له، والجناحان من ابن آدم جانباه وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أي المنذر الكاشف نزول عذاب الله تعالى ونقمه المخوفة بمن لم يؤمن كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قيل: إنه متعلق بقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ إلخ على أن يكون في موضع نصب نعتا لمصدر من آتينا محذوف أي اتيناك سبعا من المثاني إيتاء كإنزالنا أنزلنا وهو في معنى أنزلنا عليك ذلك إنزالا كإنزالنا على أهل الكتاب الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أي قسموه إلى حق وباطل حيث قالوا عنادا وعداوة: بعضه موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما، وتفسير الْمُقْتَسِمِينَ المذكورين بأهل الكتاب مما روي عن الحسن. وغيره، وفي الدر المنثور أخرج البخاري وسعد بن منصور والحاكم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: هم أهل الكتاب جزؤوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وجاء ذلك مرفوعا أيضا،
فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن الحبر قال:«سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت قول الله تعالى: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قال عليه الصلاة والسلام: اليهود والنصارى قال: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ما عضين؟ قال صلى الله عليه وسلم:
آمنوا ببعض وكفروا ببعض»
أو اقتسموه لأنفسهم استهزاء به فقد روي عن عكرمة أن بعضهم كان يقول: سورة البقرة لي وبعضهم سورة آل عمران لي وهكذا، وجوز أن يراد بالمقتسمين أهل الكتاب ويراد من القرآن معناه اللغوي أي المقروء من كتبهم أي الذين اقتسموا ما قرؤوا من كتبهم وحرفوه وأقروا ببعض وكذبوا ببعض، وحمل توسط قوله تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ
إلخ بين المتعلق والمتعلق على امداد ما هو المراد بالكلام من التسلية. وتعقب القول بهذا التعلق بأنه جل هذا المقام عن التشبيه فلقد أوتي صلى الله عليه وسلم ما لم يؤت أحد قبله ولا بعده مثله، وفي حمل القرآن على معناه اللغوي ما فيه، وقيل: هو متعلق بقوله تعالى: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ لأنه في قوة الأمر بالإنذار كأنه قيل: أنذر قريشا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين يعني اليهود هو ما جرى على قريظة. والنضير بأن جعل المتوقع كالواقع وقد وقع كذلك. وتعقب بأن المشبه به العذاب المنذر ينبغي أن يكون معلوما حال النزول وهذا ليس كذلك فيلغو التشبيه، وتنزيل المتوقع منزلة الواقع له موقع جليل من الاعجاز لكن إذا صادف مقاما يقتضيه كما في قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح: ١] ونظائره، على أن تخصيص الاقتسام باليهود بمجرد اختصاص العذاب المذكور بهم مع شركتهم للنصارى في الاقتسام المتفرع على الموافقة والمخالفة، وفي الاقتسام بمعنى التحريف الشامل للكتابين بل تخصيص العذاب المذكور بهم مع كونه من نتائج الاقسام تخصيص من غير مخصص، وجوز أن يراد بالمقتسمين جماعة من قريش وهي اثنا عشر، وقال ابن السائب: ستة عشر رجلا حنظلة بن أبي سفيان وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة وأبو جهل والعاص بن هشام وأبو قيس بن الوليد وقيس بن الفاكه وزهير بن أمية وهلال بن عبد الأسود