- ولو سلم- فقد ترتب على اتخاذ العهد الحكم بأنه لا يخلف العهد فيما يستقبل من الزمان فقط، كما في قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: ٥٣] كذا أفاده العلامة، والجواب الأول مبني على أن- الفاء الفصيحة- لا تنافي تقدير الشرط، وأنها تفيد كون مدخولها سببا عن المحذوف سواء ترتب عليه أو تأخر لتوقفه على أمر آخر بدليل أن قوله: فقد جئنا خراسانا علم عندهم في- الفصيحة- مع كونه بتقدير الشرط وعدم الترتب- كما في شرح المفتاح الشريفي- ومبنى الثاني على أن المراد حكمهم لا حكمه تعالى حين النزول، ولخفاء ذلك قال المولى عصام:- الأظهر- أنه دليل الجزاء وضع موضعه، أي إن كنتم اتخذتم عند الله عهدا فقد نجوتم لأنه لن يخلف الله عهده فافهم.
ومن الناس من لا يقدر محذوفا ويجعل- الفاء- سببية ليكون اتخاذ العهد مترتبا عليه عدم اخلاف الله تعالى عهده ويكون المنكر حينئذ المجموع فتفطن. وهذه الجملة- كما قال ابن عطية- اعتراضية بين أَتَّخَذْتُمْ والمعادل فلا موضع لها من الإعراب، وإظهار الاسم الجليل للإشعار بعلة الحكم فإن عدم الاختلاف من قضية الألوهية والعهد مضاف إلى ضميره تعالى لذلك أيضا، أو لأن المراد به جميع عهوده لعمومه بالإضافة، فيدخل العهد المعهود مع التجافي عن التصريح بتحقق مضمون كلامهم، وإن كان معلقا على الاتخاذ المعلق بحبال العدم واستدل بالآية من ذهب إلى نفي الخلف في الوعد والوعيد بحمل العهد على الخبر الشامل لهما، وادعى بعضهم أن العهد ظاهر في الوعد بل حقيقة عرفية فيه فلا دليل فيها على نفي الخلف في الوعيد.
أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أَمْ يحتمل أن تكون متصلة للمعادلة بين شيئين بمعنى أي هذين واقع اتخاذكم العهد- أم قولكم على الله ما لا تعلمون- وخرج ذلك مخرج المتردد في تعيينه على سبيل التقرير لأولئك المخاطبين لعلم المستفهم- وهو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم- بوقوع أحدهما، وهو قولهم بما لا يعلمون على التعيين فلا يكون الاستفهام على حقيقته، ويعلم من هذا أن الواقع بعد أَمْ المتصلة قد يكون جملة لأن التسوية قد تكون بين الحكمين- وبهذا صرح ابن الحاجب في الإيضاح، ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى- بل- والتقدير بل أتقولون، ومعنى بل فيها الإضراب والانتقال من التوبيخ بالإنكار على الاتخاذ إلى ما تفيد همزتها من التوبيخ على القول، وظاهر كلام صاحب المفتاح تعين الانقطاع حيث جعل علامة المنقطعة كون ما بعدها جملة، وإنما علق التوبيخ بإسنادهم إليه سبحانه وتعالى ما لا يعلمون وقوعه مع أن ما أسندوه إليه تعالى من قبيل ما يعلمون عدم وقوعه المبالغة في التوبيخ فإن التوبيخ على الأدنى يستلزم التوبيخ على الأعلى بطريق الأولى، وقولهم المحكي- وإن لم يكن صريحا بالافتراء عليه جل شأنه- لكنه مستلزم له لأن ذلك الجزم لا يكون إلا بإسناد سببه إليه تعالى.
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ جواب عن قولهم المحكي وإبطال له على وجه أعم شامل لهم ولسائر الكفرة، كأنه قال: بل تمسكم وغيركم دهرا طويلا وزمانا مديدا- لا كما تزعمون- ويكون ثبوت الكلية كالبرهان على إبطال ذلك بجعله كبرى لصغرى سهلة الحصول فبلى داخلة على ما ذكر بعدها وإيجاز الاختصار أبلغ من إيجاز الحذف، وزعم بعضهم أنها داخلة على محذوف وأن المعنى على تمسكم أياما معدودة- وليس بشيء- وهي حرف جواب- كجير ونعم- إلا أنها لا تقع جوابا إلا لنفي متقدم سواء دخله استفهام أم لا، فتكون إيجابا له وهي بسيطة. وقيل: أصلها- بل- فزيدت عليها- الألف- والكسب جلب النفع- والسيئة- الفاحشة الموجبة للنار، قاله السدي، وعليه تفسير من فسرها بالكبيرة لأنها التي توجب النار- أي يستحق فاعلها النار إن لم يغفر له- وذهب كثير من السلف إلى أنها هنا- الكفر.. وتعليق- الكسب بالسيئة- على طريقة