للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى وكان حتما عليهم أن يتفقوا على تحريمه حسبما أمر الله تعالى به وروي ذلك عن قتادة، وفسر الحكم بينهم بالمجازاة باختلاف أفعالهم بالإحلال تارة والتحريم أخرى.

ووجه إيراد ذلك هاهنا بأنه أريد منه إنذار المشركين وتهديدهم بما في مخالفة الأنبياء عليهم السلام من الوبال كما ذكرت القرية التي كفرت بأنعم الله تعالى تمثيلا لذلك. واعترض بأن توسيط ذلك لما ذكر بين حكاية أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام وبين أمره صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليها كالفصل بين الشجر ولحائه. وأجيب بأن فيه حثا على إجابة الدعوة التي تضمنها الكلام السابق وأمر بها في الكلام اللاحق فللمتوسط نسبة إلى الطرفين تخرجه من أن يكون الفصل به كالفصل بين الشجر ولحائه وهو كما ترى.

واعترض أيضا بأن كلمة بَيْنَهُمْ تحكم بأن المراد بالحكم هو فصل ما بين الفريقين من الاختلاف دون المجازاة باختلاف أفعالهم بالإحلال تارة والتحريم أخرى. ويرد هذا أيضا على تفسيره بالقضاء بالمجازاة على اختلافهم جميعهم على نبيهم ومخالفتهم له فيما جاءهم به، وقد فسر بذلك على التفسير المأثور عن ترجمان القرآن، ومنهم من فسره عليه بما فسر به على التفسير المروي عن قتادة فيرد عليه أيضا ما ذكر مع ما في ضمنه من القول باختلاف الاختلافين معنى، والظاهر اتحادهما. وأجاب بعضهم عن الاعتراض بمنع حكم كلمة «بينهم» بما تقدم فتأمل، وتفسير السبت باليوم المخصوص هو الظاهر الذي ذهب إليه الكثير، وجوز كونه مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها، قيل: ويجوز على هذا أن يكون في الآية استخدام ادْعُ أي من بعثت إليهم من الأمة قاطبة فحذف المفعول دلالة على التعميم، وجوز أن يكون المراد افعل الدعوة تنزيلا له منزلة اللازم للقصد إلى إيجاد نفس الفعل إشعارا بأن عموم الدعوة غني عن البيان وإنما المقصود الأمر بإيجادها على وجه مخصوص. وتعقب بأن ذلك لا يناسب المقام كما لا يناسب قوله تعالى: وَجادِلْهُمْ.

إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ إلى الإسلام الذي عبر عنه تارة بالصراط المستقيم وأخرى بملة إبراهيم عليه السلام. وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.

بِالْحِكْمَةِ بالمقالة المحكمة وهي الحجة القطعية المزيحة للشبه وقريب من هذا ما في البحر أنها الكلام الصواب الواقع من النفس أجمل موقع وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وهي الخطابات المقنعة والعبر النافعة التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وَجادِلْهُمْ ناظر معانديهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالطريقة التي هي أحسن طرق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الأيسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينا لشغبهم وإطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليه السلام. واستدل- كما قيل- أرباب المعقول بالآية على أن المعتبر في الدعوة من بين الصناعات الخمس إنما هو البرهان والخطابة والجدل حيث اقتصر في الآية على ما يشير إليها، وإنما تفاوتت طرق دعوته عليه الصلاة والسلام لتفاوت مراتب الناس، فمنهم خواص وهم أصحاب نفوس مشرقة قوية الاستعداد لإدراك المعاني قوية الانجذاب إلى المبادئ العالية مائلة إلى تحصيل اليقين على اختلاف مراتبه وهؤلاء يدعون بالحكمة بالمعنى السابق.

ومنهم عوام أصحاب نفوس كدرة ضعيفة الاستعداد شديدة الألف بالمحسوسات قوية التعلق بالرسوم والعادات قاصرة عن درجة البرهان لكن لا عناد عندهم وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة بالمعنى المتقدم.

ومنهم من يعاند ويجادل بالباطل ليدحض به الحق لما غلب عليه من تقليد الأسلاف ورسخ فيه من العقائد الباطلة فصار بحيث لا تنفعه المواعظ والعبر بل لا بد من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال لتلين عريكته وتزول شكيمته وهؤلاء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بجدالهم بالتي هي أحسن، وإنما لم تعتبر المغالطة والشعر لأن فائدة المغالطة تغليط

<<  <  ج: ص:  >  >>