للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الأحوال أعني البيان وما بعده بعينه تعالى وهي العين التي هي وصف نفسه لك أعني وجودك من حيث كونه أثرا ونورا لا بعينك التي هي أنت من حيث- إنك أنت- أنت فإنك لا تعرف بهذه العين إلا الحادثات المحتاجة الفانية.

وإن كانوا من العلماء ذوي الألباب وأرباب القلوب فدعوتهم إلى الحق الذي يريده سبحانه منهم من اليقين الحقيقي في اعتقاداتهم بدليل الموعظة الحسنة وهي الدليل العقلي اليقيني الذي يلزم منه اليقين في الإيمان به سبحانه وبغيره مما أمرهم بالإيمان به وهو آلة لعلم الطريقة وتهذيب الأخلاق وعلم اليقين والتقوى، وهذه العلوم وإن كانت قد تستفاد من غيره ولكن بدون ملاحظته لا يوقف على اليقين والاطمئنان الذي هو أصل علم الأخلاق، ومستنده القلب والنقل، وشرط صحته والانتفاع به اتصاف عقلك به بأن تلزم ما ألزمك به ولا تظلمه وهو كقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [فصلت: ٥٢] وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:

١٠] إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، وإن كانوا من العلماء أصحاب الرسوم كالمتكلمين ونظائرهم فدعوتهم إلى الحق الذي يريده سبحانه منهم من اليقين الرسمي بمقتضى طبيعتهم القاصرة بدليل المجادلة بالتي هي أحسن وهي الدليل العلمي القطعي الذي يلزم منه العلم فيما ذكر وهو آلة لعلم الشريعة، ومستنده العلم والنقل، وشرطه إنصاف الخصم بأن يقيمه على النحو المقرر في علم الميزان، وقد ذكره العلماء في كتبهم الأصولية والفروعية بل لا يكاد يسمع منهم غير هذا الدليل وهو محل المناقشات والمعارضات، وأما الدليلان الأولان فليس فيهما مناقشة ولا معارضة فإذا اعترض عليهما معترض فقد اعترض فيهما بغيرهما اه المراد منه وهو كما ترى، وإنما ذكرته لتعلم حال المرءوس من حال الرئيس، ولقد رأيت مشايخ هذه الطائفة يتكلمون بما هو كشوك القنافذ ويحسبونه كريش الطواويس، وجوز أن يراد بالحكمة والموعظة الحسنة القرآن المجيد فإنه جامع لكلا الأمرين فكأنه قيل: ادع بالقرآن الذي هو حكمة وموعظة حسنة وقيل غير ذلك، ومنه أن الحكمة النبوة وليس من الحكمة، وفسر بعضهم المجادلة الحسنة بالإعراض عن أذاهم وادعى أن الآية منسوخة بآية السيف، والجمهور على أنها محكمة وأن معنى الآية ما تقدم، ولكون الحكمة أعلى الدلائل وأشرافها والمدعوين به الكاملين الطالبين للمعارف الإلهية والعلوم الحقيقية وقليل ما هم جيء بها أولا، ولكون الجدل أدنى الدلائل إذ ليس المقصود منه سوى إلزام الخصم وإفحامه ولا يستعمل إلا مع الناقصين الذين تغلب عليهم المشاغبة والمخاصمة وليسوا بصدد تحصيل هاتيك العلوم ذكر أخيرا، ولكون الموعظة الحسنة دون الحجة وفوق الجدل والمدعوين بها المتوسطين الذين لم يبلغوا في الكمال حد الحكماء المحققين ولم يكونوا في النقصان بمرتبة أولئك المشاغبين وسطت بين الأمرين، وكأنه إنما لم يقل: ادع إلى سبيل بالحكمة والموعظة والجدال الأحسن لما أن الجدال ليس من باب الدعوة بل المقصود منه غرض آخر مغاير لها وهو الإلزام والإفحام كما قاله الإمام فليفهم.

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الذي أمرك بدعوة الخلق إليه وأعرض عن قبوله.

وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ إليه وهو تعليل لما ذكر أولا من الأمرين كأنه قيل: اسلك في الدعوة والمناظرة الطريقة المذكورة وما عليك غير ذلك وأما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فإلى الله سبحانه لا إلى غيره إذ هو أعلم بمن يبقى على الضلال وبمن يهتدي إليه فيجازي كلا منهما ما يستحقه كذا قيل. واعترض بأن دلالة الآية على المجازاة مسلمة وأما أن حصول الهداية والضلالة ليس لغيره تعالى فالآية لا تدل عليه أصلا. وأجيب بأنه إذا انحصر علم الهداية والضلالة فيه تعالى علم أنه لا يكون لغيره سبحانه علمهما فكيف يكون له حصولهما فالقول بعدم دلالة الآية على ذلك غير سديد، وقيل: المعنى اسلك في الدعوة والمناظرة الطريقة المذكورة فإنه تعالى هو أعلم بحال

<<  <  ج: ص:  >  >>