للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراد بالظالمين في قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا انتهى.

وقيل المعنى على تقدير عود الضميرين على أولئك الكفرة إن هؤلاء الظالمين جاهلون بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة وضدها لأنهم لم يكونوا شاهدين خلق العالم فكيف يمكنهم أن يحكموا بحسن حالهم عند الله تعالى وبشرفهم ورفعتهم عند الخلق وبأضداد هذه الأحوال للفقراء، وقيل المعنى عليه ما أشهدتهم خلق ذلك وما أطلعتهم على أسرار التكوين وما خصصتهم بخصائص لا يحويها غيرهم حتى يكونوا قدوة للناس فيؤمنوا بإيمانهم كما يزعمون فلا تلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد لديني بالمضلين، ويعضده قراءة أبي جعفر والجحدري والحسن وشيبة وَما كُنْتُ بفتح التاء خطابا له صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى ما صح لك الاعتضاد بهم، ولعل وصف أولئك الظالمين بالإضلال لما أن قصدهم بطرد الفقراء تنفير الناس عنه صلّى الله عليه وسلّم وهو إضلال ظاهر وقيل كل ضال مضل لأن الإضلال إما بلسان القال أو بلسان الحال والثاني لا يخلو عنه ضال، وقيل الضميران للملائكة، والمعنى ما أشهدتهم ذلك ولا استعنت بهم في شيء بل خلقتهم ليعبدوني فكيف يعبدون، ويرده وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً إلا أن يقال: هو نفي لاتخاذ الشياطين أعوانا فيستفاد من الجملتين نفي صحة عبادة الفريقين، وقال ابن عطية:

الضميران عائدان على الكفار وعلى الناس بالجملة فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والأطباء ومن سواهم ممن يخوض خوضهم، وإلى هذا ذهب عبد الحق الصقلي وذكره بعض الأصوليين انتهى. ويقال عليه في الجملة الأخيرة نحو ما قيل فيها آنفا.

واستدل بها على أنه لا ينبغي الاستعانة بالكافر وهو في أمور الدين كجهاد الكفار وقتال أهل البغي مما ذهب إليه بعض الأئمة ولبعضهم في ذلك تفصيل، وأما الاستعانة بهم في أمور الدنيا فالذي يظهر أنه لا بأس بها سواء كانت في أمر ممتهن كنزح الكنائف أو في غيره كعمل المنابر والمحاريب والخياطة ونحوها، ولعل أفرض اليهودي أو الكلب قد مات في كلام الفاروق رضي الله تعالى عنه لعد ما استخدم فيه من الأمور الدينية أو هو مبني على اختيار تفصيل في الأمور الدنيوية أيضا.

وقد حكى الشيعة أن عليا كرم الله تعالى وجهه قال حين صمم على عزل معاوية وأشار عليه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإبقائه على عمله إلى أن يستفحل أمر الخلافة: يمنعني من ذلك قوله تعالى: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً فلا أتخذ معاوية عضدا أبدا، وهو كذب لا يعتقده إلا ضال مضل.

وقرأ أبو جعفر وشيبة والسختياني وعون العقيلي وابن مقسم «ما أشهدناهم» بنون العظمة:

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه «متخذا المضلين»

على اعمال اسم الفاعل وقرأ الحسن وعكرمة «عضدا» بسكون الضاد ونقل حركتها إلى العين وقرأ عيسى «عضدا» بسكون الضاد للتخفيف كما قالوا في رجل وسبع رجل وسبع بالسكون وهي لغة عن تميم، وعنه أيضا أنه قرأ بفتحتين.

وقرأ شيبة وأبو عمرو في رواية هارون وخارجة والخفاف وأبي زيد «عضدا» بضمتين، وروي ذلك عن الحسن أيضا، وكذا روي عنه أيضا أنه قرأ بفتحتين، وهو على هذا إما لغة في العضد كما في البحر ولم يذكره في القاموس وإما جمع عاضد كخدم جمع خادم من عضده بمعنى قواه وأعانه فحينئذ لا استعارة. وقرأ الضحاك «عضدا» بكسر العين وفتح الضاد ولم نجد ذلك من لغاته، نعم في القاموس عد عضد ككتف منها وهو عكس هذه القراءة وَيَوْمَ يَقُولُ أي الله تعالى للكفار توبيخا وتعجيزا بواسطة أو بدونها. وقرأ الأعمش وطلحة ويحيى وابن أبي ليلى وحمزة وابن مقسم «نقول» بنون العظمة، والكلام على معنى اذكر أيضا أي واذكر يوم يقول نادُوا للشفاعة لكم شُرَكائِيَ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>