للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول حسي بجسمه لأنه قطب العالم الإنساني وإن تعدد الرسل كان واحد منهم هو المقصود أبقى الله تعالى بعد وفاته عليه الصلاة والسلام من الرسل الأحياء بأجسادهم في هذه الدار أربعة إدريس والياس وعيسى والخضر عليهم السلام، والثلاثة الأول متفق عليهم والأخير مختلف فيه عند غيرنا لا عندنا فأسكن سبحانه إدريس في السماء الرابعة، وهي وسائر السموات السبع من الدار الدنيا لأنها تتبدل في الدار الأخرى كما تتبدل هذه النشأة الترابية منا

بنشأة أخرى، وأبقى الآخرين في الأرض فهم كلهم باقون بأجسامهم في الدار الدنيا، وكلهم الأوتاد، واثنان منهم الإمامان، وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم، وهو ركن الحجر الأسود من أركان بيت الدين، فما زال المرسلون ولا يزالون في هذه الدار إلى يوم القيامة وإن كانوا على شرع نبينا صلّى الله عليه وسلّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وبالواحد منهم يحفظ الله تعالى الإيمان وبالثاني الولاية وبالثالث النبوة وبالرابع الرسالة وبالمجموع الدين الحنيفي، والقطب من هؤلاء لا يموت أبدا أي لا يصعق. وهذه المعرفة لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا الأفراد الأمناء، ولكل واحد منهم من هذه الأمة في كل زمان شخص على قلبه مع وجودهم ويقال لهم النواب، وأكثر الأولياء من عامة أصحابنا لا يعرفون إلا أولئك النواب ولا يعرفون أولئك المرسلين، ولذا يتطاول كل واحد من الأمة لنيل مقام القطبية والإمامية والوتدية فإذا خصوا بها عرفوا أنهم نواب عن أولئك المرسلين عليهم السلام. ومن كرامة نبينا صلّى الله عليه وسلّم أن جعل من أمته وأتباعه رسلا وإن لم يرسلوا فيهم من أهل هذا المقام الذي منه يرسلون وقد كانوا أرسلوا، فلهذا صلى صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء بالأنبياء عليهم السلام لتصح له الإمامة على الجميع حيا بجسمانيته وجسمه، فلما انتقل عليه الصلاة والسلام بقي الأمر محفوظا بهؤلاء الرسل عليهم السلام، فثبت الدين قائما بحمد الله تعالى وإن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهذه نكتة فاعرف قدرها فإنك لا تراها في كلام أحد غيرنا. ولولا ما ألقى عندي من إظهارها ما أظهرتها لسر يعلمه الله تعالى ما أعلمنا به. ولا يعرف ما ذكرناه إلا نوابهم دون غيرهم من الأولياء، فاحمدوا الله تعالى يا إخواننا حيث جعلكم الله تعالى ممن قرع سمعه أسرار الله تعالى المخبوءة في خلقه التي اختص بها من شاء من عباده، فكونوا لها قابلين وبها مؤمنين ولا تحرموا التصديق بها فتحرموا خيرها انتهى.

وعلم منه القول برسالة الخضر عليه السلام وهو قول مرجوح عند جمهور العلماء والقول بحياته وبقائه إلى يوم القيامة وكذا بقاء عيسى عليه السلام، والمشهور أنه بعد نزوله إلى الأرض يتزوج ويولد له ويتوفى ويدفن في الحجرة الشريفة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولينظر ما وجه قوله قدس سره بإبقاء عيسى عليه السلام في الأرض وهو اليوم في السماء كإدريس عليه السلام، ثم إنك إن اعتبرت مثل هذه الأقوال وتلقيتها بالقبول لمجرد جلالة قائلها وحسن الظن فيه فقل بحياة الخضر عليه السلام إلى يوم القيامة، وإن لم تعتبر ذلك وجعلت الدليل وجودا وعدما مدارا للقبول والرد ولم تغرك جلالة القائل إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويرد ما عدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: لا تنظر إلى من قال وانظر ما قال

فاستفت قلبك بعد الوقوف على أدلة الطرفين وما لها وما عليها ثم اعمل بما يفتيك. وأنا أرى كثيرا من الناس اليوم بل في كثير من الأعصار يسمون من يخالف الصوفية في أي أمر ذهبوا إليه منكرا ويعدونه سيىء العقيدة ويعتقدون بمن يوافقهم ويؤمن بقولهم الخير، وفي كلام الصوفية أيضا نحو هذا فقد نقل الشيخ الأكبر قدس سره في الباب السابق عن أبي يزيد البسطامي قدس سره أنه قال لأبي موسى الدبيلي: يا أبا موسى إذا رأيت من يؤمن بكلام أهل هذه الطريقة فقل له يدعو لك فإنه مجاب الدعوة، وذكر أيضا أنه سمع أبا عمران موسى بن عمران الإشبيلي يقول لأبي القاسم بن عفير الخطيب وقد أنكر ما يذكر أهل الطريقة يا أبا القاسم لا تفعل فإنك إن فعلت هذا جمعنا بين حرمانين لا ندري ذلك من نفوسنا ولا نؤمن به من غيرنا وما ثم دليل يرده ولا قادح يقدح فيه شرعا أو عقلا انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>