للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل ما نقص هذا العصفور من البحر

، وهو جار مجرى التمثيل واستعمال الركوب في أمثال هذه المواقع بكلمة فِي مع تجريده عنها في مثل قوله تعالى: لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [النحل: ٨] على ما يقتضيه تعديته بنفسه قد مرت الإشارة إلى وجهه في قوله تعالى وَقالَ ارْكَبُوا فِيها [هود: ٤١] وقيل إن ذلك لإرادة معنى الدخول كأنه قيل حتى إذا دخلا في السفينة خَرَقَها

صح أنهما لما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواحها بالقدوم فقال له موسى عليه السّلام: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها

،

وصح أيضا أنه عليه السّلام خرقها ووتد فيها وتدا

. وقيل قلع لوحين مما يلي الماء.

وفي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا أنهما لما ركبا واطمأنا فيها ولججت بهما مع أهلها أخرج مثقابا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها

. وهذه الرواية ظاهرة في أن خرقه إياها كان حين وصولها إلى لج البحر وهو معظم مائه، وفي الرواية عن الربيع أن أهل السفينة حملوهما فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض خرقها، ويمكن الجمع بأن أول العزم كان وهي في اللج وتمام الفعل كان وقد شارفت على الأرض، وظاهر الأخبار يقتضي أنه عليه السّلام خرقها وأهلها فيها وهو ظاهر قوله تعالى قالَ موسى أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها سواء كانت اللام للعاقبة بناء على أن موسى عليه السّلام حسن الظن بالخضر أو للتعليل بناء على أنه الأنسب بمقام الإنكار، وبعضهم لم يجوز هذا توهما منه أن فيه سوء أدب وليس كذلك بل يوشك أن يتعين كونها للتعليل لأن الظاهر بناء الجواب عليه كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

وفي حديث أخرجه عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه قال: فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها لتغرق أهلها فقال له الخضر ما قص الله تعالى.

وهذا ظاهر في أنه عزم على الحرق فاعترض عليه موسى عليه السّلام وهو خلاف ما تقتضيه الآية. فإن أول بأنه بتقدير وتخلف ليخرقها فخرقها وأن تعبير موسى عليه السّلام بالمضارع استحضارا للصورة أو قيل بأنه وقع من الخضر عليه السّلام أولا تصميم على الخرق وتهيئة لأسبابه وثانيا خرق بالفعل ووقع من موسى عليه السّلام اعتراض على الأول أولا وعلى الثاني ثانيا فنقل في الحديث أول ما وقع من كل في هذه المادة وفي الآية ثاني ما وقع من كل فيها بقي بين ظاهر الحديث وظاهر الآية مخالفة أيضا على ما قيل من حيث إن الأول يقتضي أن أهل السفينة لم يكونوا فيها إذ خرقت والثاني يقتضي أنهم كانوا فيها حينئذ، وأجيب أنه ليس في الحديث أكثر من أنهم خرجوا منها وتخلف للخرق وليس فيه أنهم خرجوا فخرقها فيمكن أن يكون عليه السّلام تخلف للخرق إذ خرجوا لكنه لم يفعله إلا بعد رجوعهم إليها وحصولهم فيها، وأنت تعلم أنه ينافي هذا ما قيل في وجه الجمع بين الرواية عن سعيد والرواية عن الربيع وبالجملة الجمع بين الأخبار الثلاثة وبينها وبين الآية صعب، وقال بعضهم في ذلك: إنه يحتمل أن السفينة لما لججت بهم صادفوا جزيرة في اللج فخرجوا لبعض حوائجهم وتخلف الخضر عازما على الخرق ومعه موسى عليه السّلام فأحس منه ذلك فعجل بالاعتراض ثم رجع أهلها وركبوا فيها والعزم هو العزم فأخذ عليه السّلام في مباشرة ما عزم عليه ولم يشعر موسى عليه السّلام حتى تم وقد شارفت على الأرض، ولا يخفى ما في ذلك من البعد، وذكر بعضهم أن ظاهر الآية يقتضي أن خرقه إياها وقع عقب الركوب لأن الجزاء يعقب الشرط. وأجيب بأن ذلك ليس بلازم وإنما اللازم تسبب الجزاء عن الشرط ووقوعه بعده ألا تراك تقول: إذا خرج زيد على السلطان قتله وإذا أعطيت السلطان قصيدة أعطاك جائزة مع أنه كثيرا ما لا يعقب القتل الخروج والإعطاء الإعطاء وقد صرح ابن الحاجب بأنه لا يلزم وقوع الشرط والجزاء في زمان واحد فيقال: إذا جئتني اليوم أكرمك غدا، وعلى ذلك قوله تعالى: أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم: ٦٦] ومن التزم ذلك كالرضي جعل الزمان المدلول عليه بإذا ممتدا وقدر في الآية المذكورة «أئذا ما مت وصرت رميما» وعليه أيضا لا يلزم التعقيب، نعم قال بعضهم: إن خبر لما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر

<<  <  ج: ص:  >  >>