ولتستر به كما قيل، والجذع ما بين العرق ومتشعب الأغصان من الشجرة، وقد يقال للغصن أيضا: جذع، والنخلة معروفة. والتعريف إما للجنس فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وإن لم يعلمها المخاطب بالقرآن عليه الصلاة والسّلام كما إذا قلت أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود، وقد يقال: إنها معينة له صلّى الله عليه وسلّم بأن يكون الله تعالى أراها له عليه الصلاة والسّلام ليلة المعراج، وزعم بعضهم أنها موجودة إلى اليوم، والظاهر أنها كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها وهو الذي تدل عليه الآثار، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها عليها السّلام لما اشتد عليها الطلق نظرت إلى أكمة فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس عليها سعف.
وقيل: إن الله تعالى خلقها لها يومئذ وليس بذاك وكان الوقت شتاء، ولعل الله تعالى أرشدها إليها ليريها فيما هو أشبه الأشجار بالإنسان من آياته ما يسكن روعتها كأثمارها بدون رأس وفي وقت الشتاء الذي لم يعهد ذلك فيه ومن غير لقاح كما هو المعتاد، وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلواء وأنه عليه السّلام سيحيي الأموات كما أحيى الله تعالى بسببه الموات مع ما في ذلك من اللطف بجعل ثمرتها خرسة لها، والجار والمجرور متعلق بأجاءها، وعلى القراءة الأخرى متعلق بمحذوف وقع حالا أي مستندة إلى جذع النخلة قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ بكسر الميم من مات يمات كخاف يخاف أو من مات يميت كجاء يجيء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر ويعقوب بضمها من مات يموت كقال يقول:
قَبْلَ هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت أو قبل هذا الأمر. وإنما قالته عليها السّلام مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل عليه السّلام من الوعد الكريم استحياء من الناس وخوفا من لائمتهم أو حذرا من وقوع الناس في المعصية بما يتكلمون فيها. وروي أنها سمعت نداء أخرج يا من يعبد من دون الله تعالى فحزنت لذلك وتمنت الموت، وتمني الموت لنحو ذلك مما لا كراهة فيه. نعم يكره تمنيه لضرر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا.
ففي صحيح مسلم وغيره قال صلّى الله عليه وسلّم:«لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي»
ومن ظن أن تمنيها عليها السّلام ذلك كان لشدة الوجع فقد أساء الظن والعياذ بالله تعالى.
وَكُنْتُ نَسْياً أي شيئا تافها شأنه أن ينسى ولا يعتد به أصلا كخرقة الطمث.
وقرأ الأكثرون «نسيا» بالكسر. قال الفراء: هما لغتان في ذلك كالوتر والوتر والفتح أحب إلي.
وقال الفارسي: الكسر أعلى اللغتين، وقال ابن الأنباري: هو بالكسر اسم لما ينسى كالنقض اسم لما ينقض وبالفتح مصدر نائب عن الاسم، وقرأ محمد بن كعب القرظي «نسئا» بكسر النون والهمزة مكان الياء وهي قراءة نوف الأعرابي، وقرأ بكر بن حبيب السهمي ومحمد بن كعب أيضا في رواية «نسأ» بفتح النون والهمزة على أن ذلك من نسأت اللبن إذا صببت عليه ماء فاستهلك اللبن فيه لقلته فكأنها تمنت أن تكون مثل ذلك اللبن الذي لا يرى ولا يتميز من الماء، ونقل ابن عطية عن بكر بن حبيب أنه قرأ «نسا» بفتح النون والسين من غير همز كعصى مَنْسِيًّا لا يخطر ببال أحد من الناس ووصف النسي بذلك لما أنه حقيقة عرفية فيما يقل الاعتداد به وإن لم ينس، وقرأ الأعمش وأبو جعفر في رواية بكسر الميم اتباعا لحركة السين كما قالوا: منتن باتباع حركة الميم لحركة التاء فَناداها أي جبريل عليه السّلام كما روي عن ابن عباس ونوف.
وقرأ علقمة فخاطبها قال أبو حيان: وينبغي أن تكون تفسيرا لمخالفتها سواد المصحف، وقرأ الحبر «فناداها