للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المحكم أنه يقال: جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعا وأجمعه فلم يفرق بينهما، وقال الفراء: إذا أردت جمع المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون وإذا أردت جمع المال قلت جمعت بالتشديد ويجوز تخفيفه والإجماع الاحكام والعزيمة على الشيء ويتعدى بنفسه وبعلى تقول: أجمعت الخروج وأجمعت على الخروج، وقال الأصمعي: يقال جمعت الشيء إذا جئت به من هنا ومن هنا وأجمعته إذا صيرته جميعا، وقال أبو الهيثم: أجمع أمره أي جعله جميعا وعزم عليه بعد ما كان متفرقا وتفرقته أن يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا والجمع أن يجمع شيئا إلى شيء، وقال الفراء: في هذه الآية على القراءة الأولى أي لا تدعوا شيئا من كيدكم إلا جئتم به ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي مصطفين أمروا بذلك لأنه أهيب في صدور الرائين وادخل في استجلاب الرهبة من المشاهدين. قيل: كانوا سبعين ألفا مع كل منهم حبل وعصا وأقبلوا عليه عليه السلام إقبالة واحدة، وقيل: كانوا اثنين وسبعين ساحرا اثنان من القبط والباقي من بني إسرائيل، وقيل: تسعمائة ثلاثمائة من الفرس وثلاثمائة من الروم وثلاثمائة من الإسكندية، وقيل: خمسة عشر ألفا، وقيل: بضعة وثلاثين ألفا، ولا يخفى حال الأخبار في ذلك والقلب لا يميل إلى المبالغة والله تعالى أعلم، ولعل الموعد كان مكانا متسعا خاطبهم موسى عليه السلام بما ذكر في قطر من أقطاره وتنازعوا أمرهم في قطر آخر منه ثم أمروا أن يأتوا وسطه على الحال المذكورة، وقد فسر أبو عبيدة الصف بالمكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم وفيه بعد، وكأنه علم لموضع معين من مكان يوم الزينة، وعلى هذا التفسير يكون صَفًّا مفعولا به.

وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه «ثم ايتوا» بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء. قال أبو علي: وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم، وقال صاحب اللوامح: إن ذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في قراءة العامة كذلك وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى اعتراض تذييلي من قبلهم مؤكد لما قبله من الأمرين أي قد فاز بالمطلوب من غلب. فاستفعل بمعنى فعل كما في الصحاح أو من طلب العلو والغلب وسعى سعيه على ما في البحر. فاستفعل على بابه، ولعله أبلغ في التحريض حيث جعلوا الفوز لمن طلب الغلب فضلا عمن غلب بالفعل وأرادوا بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الأجر والتقريب حسبما نطق به قوله تعالى وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف: ١١٤] وبمن استعلى أنفسهم جميعا على طريقة قولهم بعزة فرعون إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ [الشعراء: ٤٤] أو من استعلى منهم حثا على بذل المجهود في المغالبة.

وقال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذموم وقد يكون لغيره وهو هاهنا يحتملهما فلهذا جاز أن يكون هذا الكلام محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على إجماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله عز وجل فالمستعلى موسى. وهارون عليهما السلام ولا تحريض فيه.

وأنت تعلم أن الظاهر هو الأول قالُوا استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعلوا بعد ما قالوا ذلك؟ فقيل قالوا:

يا مُوسى وإنما لم يتعرض لإجماعهم وإتيانهم مصطفين إشعارا بظهور أمرهما وغنائهما عن البيان إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي ما تلقيه أولا على أن المفعول محذوف لظهوره أو تفعل الإلقاء أولا على أن الفعل منزل منزلة اللازم وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ما يلقيه أو أول من يفعل الإلقاء خيروه عليه السلام وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم، وقيل: مراعاة للأدب معه عليه السلام. وأن مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر أي إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر إما إلقاؤك أو كوننا أول من ألقى. واختار أبو حيان كونه مبتدأ محذوف الخبر أي إلقاؤك أول بقرينة إِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى وبه تتم المقابلة لكنها معنوية قالَ استئناف كما مر كأنه قيل فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: بَلْ أَلْقُوا أنتم أولا إظهارا لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافا لما

<<  <  ج: ص:  >  >>