للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا ... وأرى ثيابك باليات همّدا

وأصله من همدت النار إذا صارت رمادا فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ أي ماء، المطر، وقيل: ما يعمه وماء العيون والأنهار وظاهر الإنزال يقتضي الأول اهْتَزَّتْ تحرك نباتها فالإسناد مجازي أو تخلخلت وانفصل بعض أجزائها عن بعض لأجل خروج النبات وحمل الاهتزاز على الحركة في الكيف بعيد وَرَبَتْ ازدادت وانتفخت لما يتداخلها من الماء والنبات.

وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر وخالد بن الياس وأبو عمرو في رواية «وربأت» بالهمز أي ارتفعت يقال فلان يربأ بنفسه عن كذا أي يرتفع بها عنه، وقال ابن عطية: هو من ربأت القوم إذا علوت شرفا من الأرض طليعة عليهم فكأن الأرض بالماء تتطاول وتعلو وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي صنف بَهِيجٍ حسن سار للناظر ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ كلام مستأنف جيء به إثر تحقيق حقية البعث وإقامة البرهان عليه على أتم وجه لبيان أن ما ذكر من خلق الإنسان على أطوار مختلفة وتصريفه في أحوال متباينة وإحياء الأرض بعد موتها الكاشف عن حقية ذلك من آثار ألوهيته تعالى وأحكام شؤونه الذاتية والوصفية والفعلية وأن ما ينكرونه من إتيان الساعة والبعث من أسباب تلك الآثار العجيبة المعلومة لهم ومبادئ صدورها عنه تعالى، وفيه من الإيذان بقوة الدليل وأصالة المدلول في التحقق وإظهار بطلان إنكاره ما لا يخفى فإن إنكار تحقق السبب مع الجزم بتحقق المسبب مما يقضي ببطلانه بديهة العقول فذلك إشارة إلى خلق الإنسان على أطوار مختلفة وما معه والإفراد باعتبار المذكور وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الكمال وهو مبتدأ خبره الجار والمجرور، والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق ثبوته لا محالة لكونه لذاته لا الثابت مطلقا فوجه الحصر ظاهر أي ما ذكر من الصنع البديع حاصل بسبب أنه تعالى هو الحق وحده في ذاته وصفاته وأفعاله المحقق لما سواه من الأشياء وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى أي شأنه وعادته تعالى إحياء الموتى، وحاصله أنه تعالى قادر على إحيائها بدءا وإعادة وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة مرة بعد مرة وما تفيده صيغة المضارع من التجدد إنما هو باعتبار تعلق القدرة ومتعلقها لا باعتبار نفسها لأن القدم الشخصي ينافي ذلك. وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي مبالغ في القدرة وإلا لما أوجد هذه الموجودات الفائتة للحصر التي من جملتها ما ذكر، وتخصيص إحياء الموتى بالذكر مع كونه من جملة الأشياء المقدور عليها للتصريح بما فيه النزاع والدفع في نحور المنكرين، وتقديمه لإبراز الاعتناء به وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أي فيما سيأتي، والتعبير بذلك دون الفعل للدلالة على تحقق إتيانها وتقرر البتة لاقتضاء الحكمة إياه لا محالة، وقوله تعالى: لا رَيْبَ فِيها إما خبر ثان لأن أو حال من ضمير السَّاعَةَ في الخبر، ومعنى نفي الريب عنها أنها في ظهور أمرها ووضوح دلائلها بحيث ليس فيها مظنة أن يرتاب في إتيانها.

وأن وما بعدها في تأويل مصدر عطف على المصدر المجرور بياء السببية داخل معه في حيزها كالمصدرين الحاصلين من قوله تعالى: وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وقوله سبحانه: وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وكذا قوله عز وجل:

وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لكن لا من حيث إن إتيان الساعة وبعث من في القبور مؤثر أن فيما ذكر من أفاعيله تعالى تأثير القدرة فيها بل من حيث إن كلا منهما بسبب داع له عز وجل بموجب رأفته بالعباد المبنية على الحكم البالغة إلى ما ذكر من خلقهم ومن إحياء الأرض الميتة على نمط بديع صالح للاستشهاد به على إمكانهما ليتأملوا في ذلك ويستدلوا به عليه أو على وقوعهما ويصدقوا بذلك لينالوا السعادة الأبدية ولولا ذلك لما فعل بل لما خلق العالم رأسا، وهذا كما ترى من أحكام حقيته تعالى في أفعاله وابتنائها على الحكم الباهرة كما أن ما قبله من أحكام حقيته تعالى في صفاته وكونها في غاية الكمال هذا ما اختاره العلامة أبو السعود في تفسير ذلك وهو مما يميل اليه الطبع

<<  <  ج: ص:  >  >>