للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتمل أن يكون باعتبار التغليب، وظاهر الآثار يدل على أن هذه الآية نزلت في شأن الكفرة، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: يريد سبحانه بالذين يعملون السيئات الوليد بن المغيرة وأبا جهل والأسود والعاصي بن هشام وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة وعتبة بن أبي معيط وحنظلة بن وائل وأنظارهم من صناديد قريش، وفي البحر أن الآية وإن نزلت على سبب فهي تعم جميع من يعمل السيئات من كافر ومسلم، والظاهر أن أَمْ منقطعة بمعنى بل التي للإضراب بمعنى الانتقال وهو انتقال من إنكار حسبان عدم الفتن لمجرد الإيمان إلى إنكار حسبان عدم المجازاة على عمل السيئات.

وقال ابن عطية: أَمْ معادلة للهمزة في قوله تعالى: أَحَسِبَ وكأنه سبحانه قرر الفريقين، قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات في تعذيب المؤمنين وغير ذلك على ظنهم أنهم يسبقون نقمات الله تعالى ويعجزونه انتهى. ورد بأنها لو كانت معادلة للهمزة لكانت متصلة والتالي باطل لأن شرط المتصلة أن يكون ما بعدها مفردا نحو أزيد قائم أم عمرو أو ما هو في تقدير المفرد نحو أقام زيد أم قعد وجوابها تعيين أحد الشيئين أو الأشياء وبعدها هنا جملة ولا يمكن الجواب هنا أيضا بأحد الشيئين فالحق أنها منقطعة والاستفهام الذي تشعر به إنكاري لا يحتاج للجواب كما لا يخفى، والظاهر أن الحسبان متعد إلى مفعولين وأن أَنْ يَسْبِقُونا ساد مسدهما.

وجوز الزمخشري هنا أن يضمن معنى التقدير فيكون متعديا لواحد وإن يسبقونا هو ذلك الواحد، وتعقبه أبو حيان بأن التضمين ليس بقياس ولا يصار إليه إلا عند الحاجة وهنا لا حاجة إليه ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك على أن ساء بمعنى بئس وما موصولة ويَحْكُمُونَ صلتها، والعائد محذوف وهي فاعل ساء، والمخصوص بالذم محذوف أو بئس حكما يحكمونه حكمهم ذلك على أن ما موصوفة ويحكمون صفتها والرابط محذوف وهي تمييز وفاعل ساء ضمير مفسر بالتمييز والمخصوص محذوف أيضا.

وقال ابن كيسان: ما مصدرية، والمصدر المؤول مخصوص بالذم فالتمييز محذوف، وجوز كون ساء بمعنى قبح وما إما مصدرية أو موصولة أو موصوفة، والمضارع للاستمرار إشارة إلى أن دأبهم ذلك أو هو واقع موقع الماضي لرعاية الفاصلة وكلا الوجهين حكاهما في البحر، والأول أولى، وعندي أن مثل هذا لا يقال: إلا في حق الكفرة مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: أي من كان يخشى البعث في الآخرة فالرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي في وصف عسال:

إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل

ولعل إرادة البعث من لقائه عز وجل لأنه من مباديه، وقيل: لعله جعل لقاء الله تعالى عبارة عن الوصول إلى العاقبة إلا أنه لما كان البعث من أعظم ما يتوقف ذلك عليه خصه بالذكر، وفي الكشاف أن لقاء الله تعالى مثل للوصول إلى العاقبة من تلقي ملك الموت والبعث والحساب والجزاء، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى مَنْ كانَ إلخ من كان يأمل تلك الحال وأن يلقى فيها الكرامة من الله تعالى والبشرى، فالكلام عنده من باب التمثيل والرجاء بمعنى الأمل والتوقع.

وجوز أن يكون بمعنى ذلك إلا أن الكلام بتقدير مضاف أي من كان يتوقع ملاقاة جزاء الله تعالى ثوابا أو عقابا أو

<<  <  ج: ص:  >  >>