وله فأخذاه فشداه وثاقا وجلده كل واحد مائة جلدة وذهبا به إلى أمه، فقالت: لا تزال بعذاب حتى ترجع عن دين محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فنزلت.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ أي في زمرة الراسخين في الصلاح الكاملين فيه، والصلاح ضد الفساد وهو جامع لكل خير، وله مراتب غير متناهية ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا، ولذا طلبها الأنبياء عليهم السلام كما قال سليمان عليه السلام وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل: ١٩] ويحتمل أن يكون الكلام بتقدير مضاف أي في مدخل الصالحين وهي الجنة، والموصول مبتدأ ولندخلنهم الخبر على ما ذكره أبو البقاء، وجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير لندخلن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم وَمِنَ النَّاسِ أي بعضهم مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ أي لأجله عز وجل على أن في للسببية، أو المراد في سبيل الله تعالى بأن عذبهم المشركون على الإيمان به تعالى جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ أي نزلوا ما يصيبهم من أذيتهم كَعَذابِ اللَّهِ أي منزلة عذابه تعالى في الآخرة فجزعوا من ذلك ولم يصبروا عليه وأطاعوا الناس وكفروا بالله تعالى كما يطيع الله تعالى من يخاف عذابه سبحانه فيؤمن به عز وجل.
وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ بأن حصل للمؤمنين فتح وغنيمة لَيَقُولُنَّ بضم اللام الثانية وحذف ضمير الجمع لالتقاء الساكنين، وهذا الضمير عائد إلى من والجمع بالنظر إلى معناها، كما أن إفراد الضمائر العائدة إليها فيما سبق بالنظر إلى لفظها، وحكى أبو معاذ النحوي أنه قرىء «ليقولن» بفتح اللام على إفراد الضمير كما فيما سبق إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أي مشايعين لكم في الدين فأشركونا فيما حصل من الغنيمة، وقيل: أي مقاتلين معكم ناصرين لكم فالمراد الصحبة في القتال. ورد بأنها غير واقعة، والآية نزلت في ناس من ضعفة المسلمين كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم وكانوا يكتمونه من المسلمين وبذلك يكونون منافقين، ولذا قال ابن زيد والسدي: إن الآية في المنافقين فرد الله تعالى عليهم ذلك بقوله سبحانه:
أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ وهو في الظاهر عطف على مقدر أي أيخفى حالهم وليس إلخ أو أليس المتفرسون الذين ينظرون بنور الله تعالى بأحوالهم عالمين وليس إلخ، و (أعلم) إما على أصله أي أليس هو عز وجل أعلم من العالمين بما في صدور العالمين من الأخلاق والنفاق حتى يفعلوا ما يفعلون من الارتداد والإخفاء عن المسلمين وادعاء كونهم منهم لنيل الغنيمة أو هو بمعنى عالم. وقال قتادة: نزلت فيمن هاجر فردهم المشركون إلى مكة، وقيل: نزلت في ناس مؤمنين أخرجهم المشركون إلى بدر فارتدوا وهم الذين قال الله تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النساء: ٩٧] الآية، وما تقدم هو الأوفق لما سبق من الآية وما لحق من قوله سبحانه: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالإخلاص وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ سواء كان كفرهم بأذية أو لا، والمراد بالعلم المجازاة أي ليجزينهم بما لهم من الإيمان والنفاق، وكأن تلوين الخطاب في الذين آمنوا والمنافقين لرعاية الفواصل، والظاهر أن الآية بناء على أن النفاق ظهر في المدينة مدنية، وهو يؤيد ما تقدم من عدها من المستثنيات، ولعل من يقول إنها مكية لظاهر إطلاق جمع القول بمكية السورة، وأن تعذيب الكفرة المسلمين إنما كان في الأغلب بمكة يمنع ذلك أو يذهب إلى أنها من الأخبار بالغيب فتدبر وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا بيان لحملهم المؤمنين على الكفر بالاستمالة بعد بيان حملهم إياهم عليه بالأذية والوعيد، ووصفهم بالكفر هاهنا دون ما سبق لما أن مساق الكلام لبيان جنايتهم وفيما سبق لبيان جناية من أضلوه، واللام للتبليغ أي قالوا مخاطبين لهم اتَّبِعُوا سَبِيلَنا أي اسلكوا طريقتنا التي نسلكها في الدين، عبر عن ذلك بالاتباع الذي هو المشي خلف ماش آخر تنزيلا للمسلك منزلة