للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأغراض والاعراض جهل عظيم ربما يجر إلى الكفر كما قاله حجة الإسلام قدس سره لأن عدم التعليل في الأفعال مختص بذاته تعالى على أن البعض قائل بأن أفعاله سبحانه أيضا معللة بما تقتضيه الحكمة، نعم إن عبادته تعالى قد تكون لطلب الرضا لا لخوف مكروه أو لنيل محبوب لكن ذا من أجل حسنات الأخرى يطلبه خلص عباده قال تعالى:

وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة: ٧٢] وقرن سبحانه الذكر بالدعاء للإشارة إلى أن المعتبر من الذكر ما يكون عن قلب حاضر وتوجه باطن كما هو حال الداعي حين طلب حاجة لا مجرد التفوه والنطق به، وذهب الإمام وأبو حيان إلى أن التفصيل للداعين المأمورين بالذكر بعد الفراغ من المناسك، وبدأ سبحانه وتعالى بالذكر لكونه مفتاحا للإجابة ثم بين جل شأنه أنهم ينقسمون في سؤال الله تعالى إلى من يغلب عليه حب الدنيا فلا يدعو إلا بها ومن يدعو بصلاح حاله في الدنيا والآخرة، وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة حطا لطالب الدنيا عن ساحة عن الحضور، ولا يخفى أن الأول هو المناسب لإبقاء الناس على عمومه والمطابق لما سيأتي من قوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ إلخ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نعم سبب النزول- كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- طائفة من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيطلبون الدنيا، وطائفة من المؤمنين يجيئونه فيطلبون الدنيا والآخرة وهذا لا يقتضي التخصيص رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا أي اجعل كل إيتائنا ومنحتنا فيها فالمفعول الثاني متروك ونزل الفعل بالقياس منزلة اللازم ذهابا إلى عموم الفعل للإشارة إلى أن همته مقصورة على مطالب الدنيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ إخبار منه تعالى ببيان حال هذا النصف في الآخرة يعني أنه لا نصيب له فيها ولا حظ، والخلاق- من خلق به إذا لاق، أو من الخلق كأنه الأمر الذي خلق له وقدر، وقيل: الجملة بيان لحال ذلك في الدنيا فهي تصريح بما علم ضمنا من سابقه تقريرا له وتأكيدا أي ليس له في الدنيا طلب خلاق في الآخرة، وليس المراد أنه ليس له طلب في الآخرة للخلاق ليقال: إن هذا حكم كل أحد إذ لا طلب في الآخرة وإنما فيها الحظ والحرمان، ويجاب بمنع عدم الطلب إذ المؤمنون يطلبون زيادة الدرجات والكافرون الخلاص من شدة العذاب، ومَنْ صلة، وله- خبر مقدم والجار والمجرور بعده متعلق بما تعلق به أو حال مما بعده وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يعني العافية والكفاف قاله قتادة، أو

المرأة الصالحة قاله علي كرم الله تعالى وجهه،

أو العلم والعبادة قاله الحسن، أو المال الصالح قاله السدي، أو الأولاد الأبرار، أو ثناء الخلق قاله ابن عمر، أو الصحة والكفاية والنصرة على الأعداء والفهم في كتاب الله تعالى، أو صحبة الصالحين قاله جعفر، والظاهر أن الحسنة وإن كانت نكرة في الإثبات وهي لا تعم إلا أنها مطلقة فتنصرف إلى الكامل والحسنة الكاملة في الدنيا ما يشمل جميع حسناتها وهو توفيق الخير وبيانها بشيء مخصوص ليس من باب تعيين المراد إذ لا دلالة للمطلق على المقيد أصلا وإنما هو من باب التمثيل وكذا الكلام في قوله تعالى: وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً فقد قيل هي الجنة، وقيل: السلامة من هول الموقف وسوء الحساب،

وقيل: الحور العين وهو مروي عن علي كرم الله تعالى وجهه،

وقيل: لذة الرؤية (وقيل، وقيل..) والظاهر الإطلاق وإرادة الكامل وهو الرحمة والإحسان وَقِنا عَذابَ النَّارِ أي احفظنا منه بالعفو والمغفرة واجعلنا ممن يدخل الجنة من غير عذاب، وقال الحسن: احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى عذاب النار،

وقال علي كرم الله تعالى وجهه: عذاب النار الامرأة السوء

أعاذنا الله تعالى منها وهو على نحو ما تقدم وقد كان صلّى الله عليه وسلّم أكثر دعوة يدعو بها هذه الدعوة كما

رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه وأخرجا عنه أيضا أنه قال: «إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دعا رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف فقال له صلّى الله عليه وسلّم: هل كنت تدعو الله تعالى بشيء؟ قال: نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: سبحان الله إذا لا تطيق ذلك ولا تستطيعه فهلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ودعا له فشفاه» الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>