للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُولئِكَ إشارة إلى الفريق الثاني والجملة في مقابلة وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ والتعبير باسم الإشارة للدلالة على أن اتصافهم بما سبق علة للحكم المذكور ولذا ترك العطف هاهنا لكونه كالنتيجة لما قبله، قيل: وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى علو درجتهم وبعد منزلتهم في الفضل، وجوز أن تكون الإشارة إلى كلا الفريقين المتقدمين فالتنوين في قوله تعالى: لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا على الأول للتفخيم وعلى الثاني للتنويع أي لكل منهم نصيب من جنس ما كسبوا، أو من أجله، أو مما دعوا به نعطيهم منه ما قدرناه، ومن- إما للتبعيض أو للابتداء، والمبدئية على تقدير الأجلية على وجه التعليل، وفي الآية على الاحتمال الثالث وضع الظاهر موضع المضمر بغير لفظ السابق لأن المفهوم من رَبَّنا آتِنا الدعاء لا الكسب إلا أنه يسمى كسبا لأنه من الأعمال وقرىء- مما اكتسبوا- وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ يحاسب العباد على كثرتهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا، وروي بمقدار فواق ناقة، وروي بمقدار لمحة البصر أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب الناس فبادروا إلى الطاعات واكتساب الحسنات، والجملة تذييل لقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ إلخ والمحاسبة إما على حقيقتها كما هو قول أهل الحق من أن النصوص على ظاهرها ما لم يصرف عنها صارف أو مجاز عن خلق علم ضروري فيهم بأعمالهم وجزائها كما وكيفا، أو مجازاتهم عليها هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا بيوت قلوبكم من طرف حواسكم ولو ماتكم البدنية المأخوذة من المشاعر فإنها ظهور القلوب التي تلي البدن وَلكِنَّ البر من اتقى شواغل الحواس وهواجس الخيال ووساوس النفس الأمارة وأتوا هاتيك البيوت مِنْ أَبْوابِها التي تلي الروح، ويدخل منها الحق واتقوا الله عن رؤية تقواكم لعلكم تفوزون به وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ من قوى نفوسكم ودواعي بشريتكم فإن ذلك هو الجهاد الأكبر وَلا تَعْتَدُوا بإهمالها والوقوف مع حظوظها أو لا تتجاوزوا في القتال إلى أن تضعفوا البدن عن القيام بمراسم الطاعة ووظائف العبودية فرب مخمصة شر من التخم. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الواقفين مع نفوسهم أو المتجاوزين ظل الوحدة وهو العدالة وَاقْتُلُوهُمْ حيث وجدتموهم أي امنعوا هاتيك القوى عن شم لذائذ الشهوات والهوى حيث كانوا وَأَخْرِجُوهُمْ عن مكة الصدر كما أخرجوكم عنها واستنزلوكم إلى بقعة النفس وحالوا بينكم وبين مقر القلب وفتنتهم التي هي عبادة الهوى والسجود لأصنام اللذات أشد من الإماتة بالكلية أو بلاؤكم عند استيلاء النفس أشد عليكم من القتل الذي هو محو الاستعداد وطمس الغرائز لما يترتب على ذلك من ألم الفراق عن حضرة القدس الذي لا يتناهى وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وهو مقام القلب إذا وافقوكم في توجهكم حتى ينازعوكم في مطالبكم ويجروكم عن دين الحق ويدعوكم إلى عبادة عجل النظر إلى الأغيار فإن نازعوكم فَاقْتُلُوهُمْ بسيف الصدق واقطعوا مادة تلك الدواعي كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ الساترين للحق فَإِنِ انْتَهَوْا عن نزاعهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقاتِلُوهُمْ على دوام الرعاية وصدق العبودية حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ولا يحصل التفات إلى السوي وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ بتوجه الجمع إلى الجناب الأقدس والذات المقدس فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إلا على المجاوزين للحدود الشَّهْرُ الْحَرامُ الذي قامت به النفس لحقوقها بِالشَّهْرِ الْحَرامِ الذي هو وقت حضوركم ومراقبتكم وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فلا تبالوا بهتك حرمتها وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ما معكم من العلوم بالعمل به والإرشاد- ولا تلقوا بأيديكم إلى تهلكة التفريط وأحسنوا- بأن تكونوا مشاهدين ربكم في سائر أعمالكم إن الله يحب المشاهدين له،- وأتموا حج- توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات لله بإتمام جميع المقامات والأحوال فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ بمنع أعداء النفوس أو مرض الفتور فجاهدوا في الله بسوق هدي النفس وذبحها بفناء كعبة القلب، ولاختلاف النفوس في الاستعداد قال: ما استيسر ولا تحلقوا رؤوسكم ولا تزيلوا آثار الطبيعة وتختاروا فراغ الخاطر حتى يبلغ هدي النفس محله فحينئذ تأمنون من التشويش وتكدر الصفاء فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ضعيف

<<  <  ج: ص:  >  >>