للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فلا يبقى خلق لله في السماوات والأرض إلا من شاء الله تعالى إلا مات ثم يرسل الله تعالى من تحت العرش ماء كمني الرجال فتنبت أجسامهم من ذلك الماء وقرأ الآية ثم يقوم ملك فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها

،

وفي حديث مسلم مرفوعا ينزل الله تعالى مطرا كأنه الطل فينبت أجساد الناس.

ونبات الأجساد من عجب الذنب على ما ورد في الآثار وقد جاء أنه لا يبلى وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز، وقال أبو زيد الوقواقي: هو جوهر فرد يبقى من هذه النشأة لا يتغير، ولا حاجة إلى التزام أنه جوهر فرد، ووراء ذلك أقوال عجيبة في هذا العجب فقيل هو العقل الهيولاني، وقيل بل الهيولى، وعن الغزالي إنما هو النفس وعليها تنشأ النشأة الآخرة، وعن الشيخ الأكبر أنه العين الثابت من الإنسان، وعن بعض المتكلمين أنه الأجزاء الأصلية، وقال الملا صدرا الشيرازي في أسفاره: هو عندنا القوة الخيالية لأنها آخر الأكوان الحاصلة في الإنسان من القوى الطبيعية والحيوانية والنباتية المتعاقبة في الحدوث للمادة الإنسانية في هذا العالم وهي أول الأكوان الحاصلة في النشأة الآخرة ثم بين ذلك بما بين وإنه لأضعف من بيت العنكبوت وأوهن. والمعول عليه ما يوافق فهم أهل اللسان، وأي حاجة إلى التأويل بعد التصديق بقدرة الملك الديان جل شأنه وعظم سلطانه.

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ الشرف والمنعة من قولهم أرض عزاز أي صلبة وتعريفها للجنس، والآية في الكافرين كانوا يتعززون بالأصنام كما قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا [مريم: ٨١] والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال سبحانه: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء: ١٣٩] ومن اسم شرط وما بعده فعل الشرط، والجمع بين كان ويريد للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها، وقوله تعالى: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً دليل الجواب ولا يصح جعله جوابا من حيث الصناعة لخلوه عن ضمير يعود على من، وقد قالوا: لا بدّ أن يكون في جملة الجواب ضمير يعود على اسم الشرط إذا لم يكن ظرفا، والتقدير من كان يريد العزة فليطلبها من الله تعالى فلله وحده لا لغيره العزة فهو سبحانه يتصرف فيها كما يريد فوضع السبب موضع المسبب لأن الطلب ممن هي له وفي ملكه جميعها مسبب عنه، وتعريف العزة للإستغراق بقرينة جَمِيعاً وانتصابه على الحال، والمراد عزة الدنيا والآخرة، وتقديم الخبر على المبتدأ للاختصاص كما أشرنا إليه.

ولا ينافي ذلك قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨] لأن ما لله تعالى وحده العزة بالذات وللرسول صلّى الله عليه وسلم العزة بواسطة قربه من الله تعالى وما للمؤمنين العزة بواسطة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكأنه للإشارة إلى ذلك أعيد الجار، وقدر بعضهم الجواب فليطع الله تعالى، وأيد بما

رواه أنس كما في مجمع البيان عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز»

ومن قدر فليطلبها من الله تعالى قال: إن الطلب منه تعالى إنما يكون بالطاعة والانقياد، وعن الفراء المعنى من كان يريد علم العزة أي القدرة على القهر لمن هي فلينسبها إلى الله تعالى فهي له تعالى وحده، وقيل: المعنى من كان يريد العزة أي الغلبة فهو مغلوب لأن الغلبة لله تعالى وحده ولا تتم إلا به عزّ وجلّ ونسب هذا إلى مجاهد، وقيل: تعريف العزة الأولى للاستغراق أيضا أو للعهد والمراد الفرد الكامل، والمعنى من كان يريد العزة جميعها أو الفرد الكامل منها وهي العزة التي لا يشوبها ذلة من وجه فهو لا ينالها فإنها لله تعالى وحده، وهذا القول أحسن من القولين قبله، وأظهر الأقوال عندي الأول وهو منسوب إلى قتادة، وقوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ إلى آخره كالبيان لطريق تحصيل العزة وسلوك السبيل إلى نيلها

<<  <  ج: ص:  >  >>