الاستعداد أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ أي مبتلى بالتعلقات ولم يتيسر له السلوك على ما ينبغي فعليه فدية من إمساك عن بعض لذاته وشواغله أو فعل بر أو رياضة تقمع بعض القوى فَإِذا أَمِنْتُمْ من المانع المحصر فمن تمتع بذوق تجلي الصفات متوسلا
به إلى حج تجلي الذات فيجب عليه ما أمكن من الهدي بحسب حاله فَمَنْ لَمْ يَجِدْ لضعف نفسه وانقهارها فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أي فعليه الإمساك عن أفعال القوى التي هي الأصول القوية في وقت التجلي والاستغراق في الجمع والفناء، وهي العقل والوهم والمتخيلة وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ إلى مقام التفصيل والكثرة، وهي الحواس الخمسة الظاهرة والغضب والشهوة لتكون عند الاستقامة في الأشياء بالله عز وجل تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ موجبة لأفاعيل عجيبة مشتملة على أسرار غريبة ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
من الكاملين الحاضرين مقام الوحدة لأن أولئك لا يخاطبون ولا يعاتبون ومن وصل فقد استراح الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ وهي مدة الحياة الفانية أو من وقت بلوغ الحلم إلى الأربعين كما قال في البقرة لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [البقرة: ٦٨] .
ومن هنا قيل: الصوفي بعد الأربعين بارد نعم العمش خير من العمى والقليل خير من الحرمان فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ على نفسه بالعزيمة فَلا رَفَثَ أي فلا يمل إلى الدنيا وزينتها وَلا فُسُوقَ ولا يخرج القوة الغضبية عن طاعة القلب بل لا يخرج عن الوقت ولا يدخل فيما يورث المقت وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ أي ولا ينازع أحدا في مقام التوجه إليه تعالى إذ الكل منه وإليه ومن نازعه في شيء ينبغي أن يسلمه إليه ويسلم عليه وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣] وما تفعلوا من فضيلة في ترك شيء من هذه الأمور يعلمه الله ويثيبكم عليه، وتزودوا من الفضائل التي يلزمها الاجتناب عن الرذائل فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وتمامها بنفي السوي وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ فإن قضية العقل الخالص عن شوب الوهم وقشر المادة اتقاء الله تعالى ليس عليكم حرج عند الرجوع إلى الكثرة أن تطلبوا رفقا لأنفسكم على مقتضى ما حده المظهر الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم فإذا دفعتم أنفسكم من عرفات المعرفة فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ أي شاهدوا جماله سبحانه عند السر الروحي المسمى بالخفي وسمي مشعرا لأنه محل الشعور بالجمال، ووصف بالحرام لأنه محرم أن يصل إليه الغير وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ إلى ذكره في المراتب وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ الوصول إلى عرفات المعرفة والوقوف بها لَمِنَ الضَّالِّينَ عن هذه الأذكار في طلب الدنيا ثُمَّ أَفِيضُوا إلى ظواهر العبادات مِنْ حَيْثُ أَفاضَ سائر الناس إليها وكونوا كأحدهم فإن النهاية الرجوع إلى البداية.
أو أفيضوا من حيث أفاض الأنبياء عليهم السلام لأجل أداء الحقوق والشفقة على عباد الله تعالى بالإرشاد والتعليم وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ فقد كان الشارع الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم يغان على قلبه ويستغفر الله تعالى في اليوم سبعين مرة، ومن أنت يا مسكين بعده إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ وفرغتم من الحج فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ قبل السلوك أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً لأنه المبدأ الحقيقي فكونوا مشغولين به حسبما تقتضيه ذاته سبحانه فمن الناس من لا يطلب إلا الدنيا ولا يعبد إلا لأجلها وما له في مقام الفناء من نصيب لقصور همته واكتسابه الظلمة المنافية للنور ومنهم من يطلب خير الدارين ويحترز عن الاحتجاب بالظلمة والتعذيب بنيران الطبيعة أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا من حظوظ الآخرة والأنوار الباهرة واللذات الباقية والمراتب العالية والله سريع الحساب وَاذْكُرُوا اللَّهَ أي كبروه إدبار الصلوات وعند ذبح القرابين، ورمي الجمار وغيرها.
فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ
وهي ثلاثة أيام التشريق وهو المروي في المشهور عن عمر وعلي