للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ أبو بكر عاصم «جزأ» بضمتين، ثم للكلام وإن سيق للفرض المذكور يفهم منه كفرهم لتجسيم الخالق تعالى والاستخفاف به جلّ وعلا حيث جعلوا له سبحانه أخس النوعين بل إثبات ذلك يستدعي الأماكن المؤذن بحدوثه تعالى فلا يكون إلها ولا بارئا ولا خالقا تعالى عما يقولون وسبحانه عما يصفون، وليس الكلام مساقا لتعديد الكفران كما قيل. وقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ لا يقتضيه فإن المراد المبالغة في كفران النعمة وهي في إنكار الصانع أشد من المبالغة في كفرهم به كما أشير إليه، ومُبِينٌ من أبان اللازم أي ظاهر الكفران، وجوز أن يكون من المتعدي أي مظهر كفرانه أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ أَمِ مقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال والهمزة للإنكار والتعجيب من شأنهم، وقوله تعالى: وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ إما عطف على «اتخذ» داخل في حكم الإنكار والتعجب أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه، والالتفات إلى خطابهم لتشديد الإنكار أي بل اتخذ سبحانه من خلقه أخس الصنفين واختار لكم أفضلهما على معنى هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه سبحانه جائزة فرضا أما تفطنتم لما ارتكبتم من الشطط في القسمة وقبح ما ادعيتم من أنه سبحانه آثركم على نفسه بخير الجزئين وأعلاهما وترك له جلّ شأنه شرهما وأدناهما فما أنتم إلا في غاية الجهل والحماقة، وتنكير بنات وتعريف البنين لقرينة ما اعتبر فيهما من الحقارة والفخامة، وقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ قيل: حال وارتضاه العلامة الثاني على معنى أنهم نسبوا إليه تعالى ما ذكروا من حالهم أن أحدهم إذا بشر به اغتم، وقيل: استئناف مقرر لما قبله، وجوز عطفه على ما قبله وليس بذاك. والالتفات للإيذان باقتضاء ذكر قبائحهم أن يعرض عنه وتحكي لغيرهم تعجيبا، والجملة الاسمية في موضع الحال أي إذا أخبر أحدهم بجنس ما جعله مثلا للرحمن جل شأنه وهو جنس الإناث لأن الولد لا بد أن يجانس الولد ويماثله صار وجهه أسود في الغاية لسوء ما بشر به عنده والحال هو مملوء من الكرب والكآبة، وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت:

ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا

غضبان أن لا نلد البنينا ... وليس لنا من أمرنا ما شينا

وإنما نأخذ ما أعطينا وقرىء «مسودّ» بالرفع و «مسواد» بصيغة المبالغة من اسواد كاحمار مع الرفع أيضا على أن في ظَلَّ ضمير المبشر ووجهه مسود أو مسواد جملة واقعة موقع الخبر، والمعنى صار المبشر مسود الوجه وقيل: الضمير المستتر في ظَلَّ ضمير الشأن والجملة خبرها، وقيل: الفعل تام والجملة حالية والوجه ما تقدم، وقوله تعالى:

أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ تكرير للإنكار ومَنْ منصوبة المحل بمضمر معطوف على جَعَلُوا وهناك مفعول محذوف أيضا أي أو جعلوا له تعالى من شأنه أن يتربى في الزينة وهن البنات كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: ولذا فالهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.

وجوز انتصاب مَنْ بمضمر معطوف على اتَّخَذَ فالهمزة حينئذ لإنكار الوقوع واستبعاده، واقحامها بين المعطوفين لتذكير ما في أم المنقطعة من الإنكار، والعطف للتغاير العنواني أي أو اتخذ سبحانه من هذه الصفة الذميمة ولدا وَهُوَ مع ما ذكر من القصور فِي الْخِصامِ أي الجدال الذي لا يكاد يخلو عنه إنسان في العادة غَيْرُ مُبِينٍ غير قادر على تقرير دعواه وإقامته حجته لنقصان عقله وضعف رأيه، والجار متعلق بمبين، وإضافة غَيْرُ لا تمنع عمل ما بعدها فيه لأنه بمعنى النفي فلا حاجة لجعله متعلقا بمقدر، وجوز كون من مبتدأ محذوف الخبر أي أو من حاله كيت وكيت ولده عزّ وجلّ، وجعل بعضهم خبره جعلوه ولدا لله سبحانه وتعالى أو اتخذه جلّ وعلا ولدا، وعن ابن زيد

<<  <  ج: ص:  >  >>