لكونهم بصراء وسبب السبب قد يقال له سبب فلا يرد ما يقال إن السبب قولهم: أنت خير لا قوله: أنا خير، وقال القاضي البيضاوي: إنه من إنزال المسبب منزلة السبب لأن علمهم بأنه خبر مستفاد من الابصار. وفيه أن المذكور أنا خير لا أم تعلمون أني خير، وله أن يقول: ذلك يغني غناه لأنه جعله مسلما معلوما ما عندهم فقال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ لا أم تعلمون كما سلف، ولا يخفى أن ما ذكره الزمخشري أظهر كذا في الكشف، وقال العلامة الثاني في تقرير ذلك: إن قوله: أنا خير سبب لقولهم من جهة بعثه على النظر في أحواله واستعداده لما ادعاه وقولهم: أنت خير سبب لكونهم بصراء عنده فأنا خير سبب له بالواسطة لكن لا يخفى أنه سبب للعلم بذلك والحكم به، وأما بحسب الوجود فالأمر بالعكس لأن إبصارهم سبب لقوله أنت خير فتأمل، وبالجملة إن ما بعد أَمْ مؤول بجملة فعلية معلولة لفظا ومعنى هي ما سمعت ونحو ذلك من حيث التأويل أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ [الأعراف: ١٢٣] أي أم صمتم، وقوله:
أمخدج اليدين أم أتمت أي أم متما، وقيل: حذف المعادل لدلالة المعنى عليه، والتقدير أفلا تبصرون أم تبصرون أنا خير إلخ، وتعقب بأن هذا لا يجوز إلا إذا كان بعد أم لا نحو أيقوم زيد أم لا أي أم لا يقوم فأما حذفه دون لا فليس من كلامهم، وجوز أن يكون في الكلام طي على نهج الاحتباك والمعنى أهو خير مني فلا تبصرون ما ذكرتكم به أم أنا خير منه لأنكم تبصرونه، ولا ينبغي الالتفات إليه، وجوز غير واحد كون أَمْ منقطعة مقدرة بيل والهمزة التي للتقرير كأن اللعين قال أثر ما عدد أسباب فضله ومبادي خيريته: أثبت عندكم واستقر لديكم أني خير وهذه حالي من هذا إلخ، ورجحه بعضهم لما فيه من عدم التكلف في أمر المعادل اللازم أولا لحسن في المتصلة، وقال السدي. وأبو عبيدة: أم بمعنى بل فيكون قد انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير كقول الشاعر:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أم أنت في العين أملح
وقال أبو البقاء: إنها منقطعة لفظا متصلة وأراد ما تقدم من التأويل، وليس فيه مخالفة لما أجمع عليه النحاة كما توهم، وجملة «لا يكاد يبين» معطوفة على الصلة أو مستأنفة أو حالية. وقرىء «أما أنا خير» بإدخال الهمزة على ما النافية، وقرأ الباقر رضي الله تعالى عنه «يبين» بفتح الياء من بان إذا ظهر فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ كناية عن تمليكه، قال مجاهد: كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوارين وطوقوه بطوق ذهب علامة لسؤدده، فقال فرعون هلا ألقى رب موسى عليه أساور من ذهب إن كان صادقا، وهذا من اللعين لزعمه أن الرياسة من لوازم الرسالة كما قال كفار قريش في عظيم القريتين، والأسورة جمع سوار نحو خمار وأخمرة، وقرأ الأعمش «أساور» ورويت عن أبي، وعن أبي عمرو جمع اسورة فهو جمع الجمع، وقرأ الجمهور «أساورة» جمع أسوار بمعنى السوار والهاء عوض من ياء أساوير فإنها تكون في الجمع المحذوف مدته للعوض عنها كما في زنادقة جمع زنديق.
وقد قرأ «أساوير» عبد الله وأبي في الرواية المشهورة، وقرأ الضحاك ألقى مبنيا للفاعل أي الله تعالى أساورة بالنصب أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ من قرنته به فاقترن، وفسر بمقرونين أي به لأنه لازم معناه بناء على هذا، وفسر أيضا بمتقارنين من اقترن بمعنى تقارن والاقتران مجاز أو كناية عن الإعانة.
ولذا قال ابن عباس: يعينونه على من خالفه، وقيل: عن التصديق ولولا ذلك لم يكن لذكره بعد قوله معه فائدة، وهو الأول حسي وعلى الثاني معنوي، وقيل: متقارنين بمعنى مجتمعين كثيرين، وعن قتادة متتابعين.
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فطلب منهم الخفة في مطاوعته على أن السين للطلب على حقيقتها، ومعنى الخفة السرعة