يرث الكافر منزله في الجنة وذلك قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ولا يخلو الكلام عن مجاز عليه أيضا، وأيّا ما كان فسببية العمل لإيراث الجنة ونيلها ليس إلا بفضل الله تعالى ورحمته عزّ وجلّ، والمراد
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يدخل أحدكم الجنة عمله»
ففي إدخال العمل الجنة على سبيل الاستقلال والسببية التامة فلا تعارض.
وأخرج هناد. وعبد بن حميد في الزهد عن ابن مسعود قال: تجوزون الصراط بعفو الله تعالى وتدخلون الجنة برحمة الله تعالى وتقتسمون المنازل بأعمالكم فتأمل. وقرىء «ورثتموها» لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ بحسب الأنواع والأصناف لا بحسب الأفراد فقط مِنْها تَأْكُلُونَ أي لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في أشجارها فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا،
وفي الحديث «لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها»
فمن تبعيضية وجوز كونها ابتدائية، والتقديم للحصر الإضافي وقيل لرعاية الفاصلة.
ولعل تكرير ذكر المطاعم في القرآن العظيم مع أنها كلا شيء بالنسبة إلى سائر أنواع نعيم الجنة لما كان بأكثرهم في الدنيا من الشدة والفاقة فهو تسلية لهم، وقيل: إن ذلك لكون أكثر المخاطبين عواما نظرهم مقصور على الأكل والشرب. وتعقب بأنه غير تام للصوفية، كلام سيأتي في مواضع إن شاء الله عزّ وجلّ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ أي الراسخين في الإجرام الكاملين فيه وهم الكفار فكأنه قيل: إن الكفار فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ وأيد إرادة ذلك بجعلهم قسيم المؤمنين بالآيات في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا [الزخرف: ٦٩] فلا تدل الآية على خلود عصاة المؤمنين كما ذهب إليه المعتزلة والخوارج، ولا يضر عدم التعرض لبيان حكمهم بناء على أن المراد بالذين آمنوا المتقون لقوله تعالى: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف: ٦٨] والقول بأن الذين آمنوا شامل لهم لأن العلة إيمانهم وإسلامهم لا يخفى ما فيه. والظرف متعلق بخالدون وخالدون خبر إن، وجوز أن يكون الظرف هو الخبر وخالدون فاعله لاعتماده لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ أي لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلا، والمادة بأي صيغة كانت تدل على الضعف مطلقا وَهُمْ فِيهِ أي في العذاب، وقرأ عبد الله «فيها» أي في جهنم مُبْلِسُونَ حزينون من شدة البأس، قال الراغب: الإبلاس الحزن المعترض من شدة البأس ومنه اشتق إبليس فيما قيل.
ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل أبلس فلان إذا سكت وانقطعت حجته انتهى، وقد فسر الإبلاس هنا بالسكوت وانقطاع الحجة وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ لسوء اختيارهم، وهُمُ ضمير فصل فيفيد التخصيص، وقرأ عبد الله. وأبو زيد «الظالمون» بالرفع على أن هم مبتدأ وهو خبره، وذكر أبو عمر الجرمي أن لغة تميم جعل ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ويرفعون ما بعده على الخبر، وقال أبو زيد: سمعتهم يقرؤون «تجدوه عند الله هو خير وأعظم» (١) برفع خير وأعظم، وقال قيس بن ذريح:
تحن إلى ليلى وأنت تركتها ... وكنت عليها بالملا أنت أقدر
وقال سيبويه: بلغنا أن رؤبة كان يقول أظن زيدا هو خير منك يعني بالرفع وَنادَوْا أي من شدة العذاب.
وفي بعض الآثار يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه العذاب فيقولون: ادعوا مالكا فيدعون يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ أي ليمتنا من قضى عليه إذا أماته، ومرادهم سل ربك أن يقضي علينا حتى نستريح، واضافتهم الرب إلى ضميره لحثه لا للإنكار، وهذا لا ينافي الإبلاس على التفسير الأول لأنه صراخ وتمني للموت من فرط الشدة، وأما على التفسير الثاني أنه وإن نفاه لكن زمان كل غير زمان الآخر فإن أزمنة العذاب متطاولة وأحقابه
(١) سورة المزمل، الآية: ٢٠.