للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم وعلمهم أنه لا خلاص لهم ولو بالموت ويغوثون أوقاتا لشدة ما بهم. وتعقب بأنه لا يناسب دوام الجملة الاسمية أعني وهم مبلسون وقيل إن نادوا معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا، ولا يخفى أن تلك الجملة حالية لا تنفك عن الخلود.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود وابن وثاب والأعمش «يا مال» بالترخيم

على لغة من ينتظر وقرأ أبو السوار «يا مال» بالترخيم أيضا لكن على لغة من لم ينتظر.

قال ابن جني: وللترخيم في هذا الموضع سر وذلك أنهم لعظم ما هم فيه ضعفت قواهم وذلت أنفسهم فكان هذا من موضع الاختصار ضرورة وبهذا يجاب عن قول ابن عباس وقد حكيت له القراءة به على اللغة الأولى: ما أشغل أهل النار عن الترخيم مشيرا بذلك إلى إنكارها فإن ما للتعجب وفيها معنى الصد يعني أنهم في حالة تشغلهم عن الالتفات إلى الترخيم وترك النداء على الوجه الأكثر في الاستعمال، وحاصل الجواب أن هذا الترخيم لم يصدر عنهم لقصد التصرف في الكلام والتفنن فيه كما في قوله:

يحيي رفات العظام بالية ... والحق يا مال غير ما تصف

بل للعجز وضيق المجال عن الإتمام كما يشاهد في بعض المكروبين قالَ أي مالك إِنَّكُمْ ماكِثُونَ مقيمون في العذاب أبدا لا خلاص لكم منه بموت ولا غيره، وهذا تقنيط ونكاية لهم فوق ما هم فيه ولا يضر في ذلك علمه بيأسهم إن قلنا به.

وذكر بعض الأجلة أن فيه استهزاء لأنه أقام المكث مقام الخلود والمكث يشعر بالانقطاع لأنه كما قال الراغب ثبات مع انتظار، ويمكن أن يكون وجه الاستهزاء التعبير بما كثون من حيث إنه يشعر بالاختيار وإجابتهم بذلك بعد مدة.

قال ابن عباس يجيبهم بعد مضي ألف سنة، وقال نوف: بعد مائة، وقيل ثمانين، وقيل أربعين.

لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ خطاب توبيخ وتقريع من جهته تعالى مقرر لجواب مالك ومبين لسبب مكثهم، ولا مانع من خطاب سبحانه الكفرة تقريعا لهم، وقيل: هو من كلام بعض الملائكة عليهم السلام وهو كما يقول أحد خدم الملك للرعية أعلمناكم وفعلنا بكم قيل لا يجوز أن يكون من قول مالك لا لأن ضمير الجمع ينافيه بل لأن مالكا لا يصح منه أن يقوله لأنه لا خدمة له غير خزنه للنار.

وفيه بحث، وقيل: في قالَ ضميره تعالى فالكل مقوله عزّ وجلّ، وقيل: إن قوله تعالى إِنَّكُمْ ماكِثُونَ خاتمة حال الفريقين، وقوله سبحانه لقد إلخ كلام آخر مع قريش والمراد عليه جئناكم في هذه السورة أو القرآن بالحق، وعلى ما تقدم لقد جئناكم في الدنيا بالحق وهو التوحيد وسائر ما يجب الإيمان به وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب ولكن أكثركم للحق أي حق كان كارهون لا يقبلونه وينفرون منه وفسر الحق بذلك دون الحق المعهود سواء كان الخطاب لأهل النار أو لقريش لمكان أَكْثَرَكُمْ فإن الحق المعهود كلهم كارهون له مشمئزون منه، وقد يقال:

الظاهر العهد وعبر بالأكثر لأن من الأتباع من يكفر تقليدا. وقرىء «لقد جئتكم» وقوله تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً كلام مبتدأ ناع على المشركين ما فعلوا من الكيد برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأَمْ منقطعة وما فيها معنى بل للانتقال من توبيخ أهل النار إلى حكاية جناية هؤلاء والهمزة للانكار فإن أريد بالإبرام الأحكام حقيقة فهي لإنكار الوقوع واستبعاده، وإن أريد الأحكام صورة فهي لإنكار الواقع واستقباحه أي بل أبرم مشركو مكة أمرا من كيدهم ومكرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَإِنَّا مُبْرِمُونَ كيدنا حقيقة لا هم أو فانا مبرمون كيدنا بهم حقيقة كما أبرموا كيدهم صورة كقوله تعالى أَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>