الصلاة والسلام طول جلوسهم ومناجاتهم فنزلت
، واختلف في أن الأمر للندب أو للجواب لكنه نسخ بقوله تعالى:
أَأَشْفَقْتُمْ إلخ، وهو وإن كان متصلا به تلاوة لكنه غير متصل به نزولا، وقيل: نسخ بآية الزكاة والمعول عليه الاول، ولم يعين مقدار الصدقة ليجزي الكثير والقليل،
أخرج الترمذي وحسنه وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ إلخ قال لي النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما ترى في دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال:
نصف دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: شعيرة، قال: فإنك لزهيد» فلما نزلت أَأَشْفَقْتُمْ الآية قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «خفف الله عن هذه الأمة»
ولم يعمل بها على المشهور غيره كرم الله تعالى وجهه،
أخرج الحاكم وصححه وابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهم عنه كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إن في كتاب الله تعالى لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ إلخ كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما ناجيت النبي صلّى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت أَأَشْفَقْتُمْ الآية
، قيل: وهذا على القول بالوجوب محمول على أنه لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقاء الحكم، واختلف في مدة بقائه، فعن مقاتل أنها عشرة ليال، وقال قتادة: ساعة من نهار، وقيل: إنه نسخ قبل العمل به ولا يصح لما صح أنفا.
وقرىء- صدقات- بالجمع لجمع المخاطبين ذلِكَ أي تقديم الصدقات خَيْرٌ لَكُمْ لما فيه من الثواب وَأَطْهَرُ وأزكى لأنفسكم لما فيه من تعويدها على عدم الاكتراث بالمال وإضعاف علاقة حبه المدنس لها، وفيه إشارة إلى أن في ذلك إعداد النفس لمزيد الاستفاضة من رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عند المناجاة.
وفي الكلام إشعار بندب تقديم الصدقة لكن قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن لم يجد حيث رخص سبحانه له في المناجاة بلا تقديم صدقة أظهر إشعارا بالوجوب.
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ أي أخفتم الفقر لأجل تقديم الصدقات فمفعول أَشْفَقْتُمْ محذوف، وأَنْ على إضمار حرف التعليل، ويجوز أن يكون المفعول أَنْ تُقَدِّمُوا فلا حذف أي أخفتم تقديم الصدقات لتوهم ترتيب الفقر عليه، وجمع الصدقات لما أن الخوف لم يكن في الحقيقة من تقديم صدقة واحدة لأنه ليس مظنة الفقر بل من استمرار الأمر، وتقديم صَدَقاتٍ وهذا أولى مما قيل: إن الجمع لجمع المخاطبين إذ يعلم منه وجه إفراد الصدقة فيما تقدم على قراءة الجمهور فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ما أمرتم به وشق عليكم ذلك وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بأن رخص لكم المناجاة من غير تقديم صدقة، وفيه على ما قيل: إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله تعالى عنه لما رؤي منهم من الانقياد وعدم خوف الفقر بعد ما قام مقام نوبتهم و (إذ) على بابها أعني أنها ظرف لما مضى، وقيل: إنها بمعنى- إذ- الظرفية للمستقبل كما قوله تعالى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ [غافر: ٧١] .
وقيل: بمعنى إن الشرطية كأنه قيل: فإن لم تفعلوا فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ والمعنى على الأول إنكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بالمثابرة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، واعتبرت المثابرة لأن المأمورين مقيمون للصلاة ومؤتون للزكاة، وعدل عن فصلوا إلى فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ليكون المراد المثابرة على توفية حقوق الصلاة ورعاية ما فيه كما لها لا على أصل فعلها فقط، ولما عدل عن ذلك لما ذكر جيء بما بعده على وزانه ولم يقل وزكوا لئلا يتوهم أن المراد الأمر بتزكية النفس كذا قيل فتدبر وَأَطِيعُوا اللَّهَ