وفي استفعل هنا من المبالغة ما ليس في فعل فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ في معنى لم يمكنهم من ذكره عز وجل بما زين لهم من الشهوات فهم لا يذكرونه أصلا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من القبائح حِزْبُ الشَّيْطانِ أي جنوده وأتباعه.
أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوّتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم، وفي تصدير الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق وإظهار المتضايقين معا في موقع الإضمار بأحد الوجهين، وتوسيط ضمير الفصل من فنون التأكيد ما لا يخفى.
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ استئناف مسوق لتعليل ما قبله من خسران حزب الشيطان عبر عنهم بالموصول ذما لهم بما في حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر فِي الْأَذَلِّينَ أي في جملة من هو أذل خلق الله عز وجل من الأولين والآخرين معدودون في عدادهم لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله عز وجل غير متناهية كانت ذلة من حادّه كذلك كَتَبَ اللَّهُ استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين أي أثبت في اللوح المحفوظ أو قضى وحكم، وعن قتادة قال: وأيا ما كان فهو جار مجرى القسم فلذا قال سبحانه: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أي بالحجة والسيف وما يجري مجراه أو بأحدهما، ويكفي في الغلبة بما عدا الحجة تحققها للرسل عليهم السلام في أزمنتهم غالبا فقد أهلك سبحانه الكثير من أعدائهم بأنواع العذاب كقوم نوح وقوم صالح وقوم لوط وغيرهم، والحرب بين نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين وإن كان سجالا إلا أن العاقبة كانت له عليه الصلاة والسلام وكذا لأتباعهم بعدهم لكن إذا كان جهادهم لأعداء الدين على نحو جهاد الرسل لهم بأن يكون خالصا لله عز وجل لا لطلب ملك وسلطنة وأغراض دنيوية فلا تكاد تجد مجاهدا كذلك إلا منصورا غالبا، وخص بعضهم الغلبة بالحجة لا طرادها وهو خلاف الظاهر، ويبعده سبب النزول، فعن مقاتل لما فتح الله تعالى مكة للمؤمنين والطائف وخيبر وما حولها قالوا: نرجو أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال عبد الله بن أبيّ: أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزلت كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على نصر رسله عَزِيزٌ لا يغلب على مراده عز وجل.
وقرأ نافع وابن عامر «ورسلي» بفتح الياء لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ خطاب للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم أو لكل أحد يصلح له، وتَجِدُ إما متعد إلى اثنين فقوله تعالى: يُوادُّونَ إلخ مفعوله الثاني، وإما متعد إلى واحد فهو حال من مفعوله لتخصصه بالصفة، وقيل: صفة أخرى له أي قوما جامعين بين الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وبين موادّة أعداء الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وليس بذاك، والكلام على ما في الكشاف من باب التخييل خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوادّون المشركين. والغرض منه أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله تعالى، وحاصل هذا على ما في الكشف أنه من فرض غير الواقع واقعا محسوسا حيث نفى الوجدان على الصفة وأريد نفي انبغاء الوجدان على تلك الصفة فجعل الواقع نفي الوجدان، وإنما الواقع نفي الانبغاء فخيل أنه هو (١) فالتصوير في
(١) قيل: يجعل ما لا يليق كالعدم لمشاركته له في عدم الاعتداد به فتأمل اه منه.