وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقال بعض اللغويين: الضريع يبيس العرفج إذا انحطم. وقال الزجاج: نبت كالعوسج. وقال الخليل: نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر. والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة وقيل هو شجرة نارية تشبه الضريع وأنت تعلم أنه لا يعجز الله تعالى الذي أخرج من الشجر الأخضر نارا أن ينبت في النار شجر الضريع. نعم يؤيد ما قيل ما حكاه
في البحور الزاخرة عن البغوي عن ابن عباس يرفعه:«الضريع شيء في النار شبه الشوك أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار»
فإن صح فذاك. وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون عنده ويذلون ويتضرعون إلى الله تعالى طلبا للخلاص منه فسمي بذلك وعليه يحتمل أن يكون شجرا وغيره. وعن الحسن وجماعة أنه الزقوم. وعن ابن جبير أنه حجارة في النار، وقيل: هو واد في جهنم أي ليس لهم طعام إلّا من ذلك الموضع، ولعله هو الموضع الذي يسيل إليه صديد أهل النار وهو الغسلين وعليه يكون التوفيق بين هذا الحصر والحصر في قوله تعالى وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة: ٣٦] ظاهرا بأن يكون طعامهم من ذلك الوادي هو الغسلين الذي يسيل إليه، وكذا إذا أريد به ما قاله ابن كيسان واتحد به وقد يتحد بهما عليه أيضا الزقوم واتحاده بالضريع على القول بأنه شجرة قريب. وقيل في التوفيق إن الضريع مجازا أو كناية أريد به طعام مكروه حتى للإبل وغيرها من الحيوانات التي تلتذ رعي الشوك فلا ينافي كونه زقوما أو غسلينا، وقيل: إنه أريد أن لا طعام لهم أصلا لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الناس كما يقال: ليس لفلان إلّا ظل إلّا الشمس أي لا ظل له وعليه يحمل قوله تعالى وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ وقوله تعالى إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: ٤٣، ٤٤] فلا مخالفة أصلا. وقيل: إن الغسلين وهو الصديد في القدرة الإلهية أن تجعله على هيئة الضريع والزقوم فطعامهم الغسلين والزقوم اللذان هما الضريع ولا يخفى تعسفه على الرضيع. وقد يقال في التوفيق على القول بأن الثلاثة متغايرة بالذات أن العذاب ألوان والمعذبون طبقات فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع لكل باب منهم جزء مقسوم لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ إما في محل جر صفة لضريع والمعنى أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه ومنفعتا الغذاء منفيتان عنه وهما إماطة الجوع وإفادة القوة والسمن في البدن، وإن شئت فقل إنه من شيء مكروه يضرع عنده ويتضرع إلى الله تعالى ويطلب منه سبحانه الخلاص عنه وليس فيه منفعتا الغذاء أصلا، وإما في محل رفع صفة لطعام المقدر إذ التقدير ليس لهم طعام إلّا طعام من ضريع. والمعنى قريب مما ذكر ولا يجوز كونه صفة للمذكور إذ لا يدل حينئذ على أن طعامهم منحصر في الضريع بل يدل على أن ما لا يسمن ولا يغني من طعامهم منحصر فيه ويفسد المعنى. وأما لا محل له من الإعراب على أنه مستأنف والأول أظهر. ويروى أن كفار قريش قالوا لما سمعوا صدر الآية: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا. فنزلت لا يُسْمِنُ إلخ. قيل: فلا يخلو إما أن يتكذبوا أو يتعنتوا بذلك وهو الظاهر فيرد قولهم بنفي السمن والشبع وإما أن يصدقوا فيكون المعنى أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم إنما هو غير مسمن ولا مغن من جوع. وعلى الأول هو صفة مؤكدة ردا لما زعموه لا كاشفة إذ لا خفاء وعلى الثاني هو صفة مخصصة وأيّا ما كان فتنكير الجوع للتحقير أي لا يغني من جوع ما، وتأخير نفي الإغناء عنه لمراعاة الفواصل والتوسل به إلى التصريح بنفي كلا الأمرين إذ لو قدم لما احتيج إلى ذكر نفي الاسمان ضرورة استلزام