إني لأرى هذا خشع قلبه خشعت جوارحه. ثم رواه (٣٣٠٩) عن الثوري عن رجل قال: رآني ابن المسيب أعبث بالحصى في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه)) . فيشبه أن يكون معمر سماه ثارة - فحفظ ذلك عبد الرزاق وهو من أثبتهم فيه -، وأبهمه أخرى لعلمه بأنه مرغوب عنه. وكذلم فعل الثوري رحمه الله، فإن من المعروف عنه أنه كان إذ روى عن رجل ضعيف أبهمه أو كناه، كما تكرر عنه في غير وا رواية. وتارة كان يفعل ذلك بعض تلاميذه كوكيع رحمه الله. وأبان كان يكذب وهماً لا عمداً، فلا يبعد عن مثله أن يظن غير سعيد سعيداً من فرط غفلته! ولم يكذر المزي روايته عن ابن المسيب، فالله أعلم. (فإن) قيل: فكيف يقول أبان: ((رأى ابن المسيب رجلاً)) وإنما يعني نفسه؟ فالجواب - بحول الله وقوته - أن هذا أمر مشاهد قد تكرر وقوعه من غير واحد من السلف، وإن اختلفت دواعيهم عما ههنا كأنا أباناً كنى عن نفسه حياة أو نحوه. وأدلل على ذلك بمثالين اثنين، أحدهما عن صحابي جليل، والآخر عن تابعي جليل.
١- فروى الإمام أحمد في ((المسند)) (١/١٨٧) و ((فضائل الصحابة)) (٢٢٥) وأبو داود (٢/٥١٦) وغيرهما بسند صحيح عن رباح بن الحارث أن المغيرة بن شعبة كان في المسجد الأكبر وعنده أهل الكوفة عن يمنيه وعن يساره، فجاءه رجل يدعى سعيد بن زيد، فحياه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسب وسب: فقال: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال: يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال: يا مغير بن شعب (١) ، يا مغير بن شعب - ثلاثاً -، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما سمعت أذناي ووعاه قلبي من رسول الله
$! هذا يسميه اهل اللغة: ((الترخيم)) ، ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها - كما في ((الصحيحين)) -: ((يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام ... )) . الحديث.