المنهد في عامة كتاباته - لا فيما يمس جناب العلماء فحسب - إذاً لسد الباب على الكثيرين ممن تعقبوه واستدركوا عليه ممن أتوا بعده، كالحافظ المناوى فمن بعده. ومع ذلك فلى مؤاخذة واحدة على التحقيق الساب، أعني حكايته اتفاق العلماء على ضعف ليث ففيها نظر، فقد قواه ابن معين في رواية. قال أبو داود: سألت يحيى عن ليث، فقال: لا بأس به. قال: وعامة شيوخه لا يعرفون. وقال البرقاني: سألت الدارقطني عنه، فقال: صاحب سنة، يخرج حديث. ثم قال: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (وفي قصر إنكارهم وعليه بهذا فقط، نظر بما تقدم) وقال ابن شاهين في ((الثقات)) : قال عثمان بن أبي شيبة: ليث صدوق ولكن ليس بحجة. وهذه النقول في ((التهذيب)) (٨/٤٦٧-٤٦٨) ، ثم وجدت للسيوطي في ((اللآلئ)) (١/١٠١-١٠٢) كلاماً يعارض ما ههنا، ورده الأباني في ((الضعيفة)) (١/٤٣٦-٤٣٧) ورجح إجماعهم على تضعيفه، وفيه نظر أيضاً، نعم / هذا لا يفيد في تقوية أمر ليث شيئاً، فإن العمل على تضعيفه وإطراح حديثه، ولكن كان ينبغي للحافظ السيوطي عفا الله عنه إيراد هذه الأقوال ودفعها بغيرها من الطعون.
أقول: وقول الحافظ الهيثمي رحمه الله في موضاع من ((المجمع)) - أوردنا أحدها في الحديث الثالث - في حق ليث:((وهو ثقة مدلس)) مما لا وجه له بشطريه. أما التوثيق فكلاً كما عملت. وأما الرمى بالتدليس فلم أر من سبق الهيثمي إليه: نعم، رماه ابن الجوزي رحمه الله بتدليس الشيوخ إذا كان يروى عن أبي ليقظان عثمان بن عمير - وهو واه - فيقول:((عثمان بن أبي حميد)) كما أوردته في ((البدائل)) (١٦) نقلاً عن كتاب ابن الجوزي: ((العلل المتناهية)) ، ونازعني أحد الكرام في ذلك بأنه تخليط لا تدليس! فالله أعلم. على إن إطلاق التدليس - في هذه الحالة - عليه لا يحسن إذا روى عن شيوخه المعروفين وسماهم كمجاهد وعطاء وطاوس وعمرو بن مرة وطلحة بن مصرف ونافع وعكرمة ونحوهم. أما العلة الثالثة للحديث (فقد خالفه) الأعمش وأبان بن تغلب، فرواه كل منهما عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة موقوفاً. بل هو نفسه