للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْمَنْقُولَةُ فَهِيَ الْغَنَائِمُ الْمَأْلُوفَةُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُهَا عَلَى رَأْيِهِ، وَلَمَّا تَنَازَعَ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَوْمَ بَدْرٍ جَعَلَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِلْكًا لِرَسُولِهِ يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ، وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ -يَعْنِي: عَنْ قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:١] .

فَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ أُنْزِلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ فَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَانْتَزَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى سَوَاءٍ، وَاصْطَفَى مِنْ غَنِيمَةِ بَدْرٍ سَيْفَهُ ذَا الْفِقَارِ وَكَانَ سَيْفَ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَأَخَذَ مِنْهَا سَهْمَهُ وَلَمْ يُخَمِّسْهَا إلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بَعْدَ بَدْرٍ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: ٤١] .

فَتَوَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ كَمَا تَوَلَّى قِسْمَةَ الصَّدَقَاتِ، فَكَانَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ خَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ بَدْرٍ غَنِيمَةَ بَنِي قَيْنُقَاعِ.

وَإِذَا جُمِعَتِ الْغَنَائِمُ لَمْ تُقْسَمْ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ حَتَّى تَنْجَلِيَ؛ لِيُعْلَمَ بِانْجِلَائِهَا تَحَقُّقُ الظَّفَرِ وَاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، وَلِئَلَّا يَتَشَاغَلَ الْمُقَاتِلَةُ بِهَا فَيُهْزَمُوا، فَإِذَا انْجَلَتِ الْحَرْبُ كَانَ تَعْجِيلُ قِسْمَتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَجَوَازُ تَأْخِيرِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَبِحَسَبِ مَا يَرَاهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنِ الصَّلَاحِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى تَصِيرَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَقْسِمُهَا حِينَئِذٍ، فَإِذَا أَرَادَ قِسْمَتَهَا بَدَأَ بِأَسْلَابِ الْقَتْلَى، فَأَعْطَى كُلَّ قَاتِلٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْإِمَامُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إنْ شَرَطَ لَهُمْ ذَلِكَ اسْتَحَقُّوهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَهُمْ كَانَ غَنِيمَةً فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَقَدْ نَادَى مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ حِيَازَةِ الْغَنَائِمِ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ" ١.

وَالشَّرْطُ مَا تَقَدَّمَ الْغَنِيمَةَ لَا مَا تَأَخَّرَ عَنْهَا، وَقَدْ أَعْطَى أَبُو قَتَادَةَ أَسْلَابَ قَتَلَاهُ وَكَانُوا


١ صحيح: رواه البخاري في كتاب فرض الخمس "٣١٤٢"، ومسلم في كتاب الجهاد والسير "١٧٥١".

<<  <   >  >>