يُحْسَبْنَ مِنَ الْكَلَامِ زَوَانِيَا ... وَيَصُدُّهُنَّ عَنِ الْخَنَا الْإِسْلَامُ
الْفَرْعُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ التَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ، وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا فِي كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ، وَحُدُوثِ أَمْرٍ مِنْ رُكُوبٍ، أَوْ نُزُولٍ، أَوِ اجْتِمَاعِ رِفَاقٍ، أَوْ فَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ إِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَوَقْتِ السَّحَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تُغَايُرِ الْأَحْوَالِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّلْبِيَةِ، وَيُلَبِّيَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الرِّفَاقِ، وَفِي كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي إِذَا رَأَى رَكْبًا أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ وَآخِرِ اللَّيْلِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَلَمْ يَتَكَلَّمِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ» فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ: هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَبَيَّضَ لَهُ النَّوَوِيُّ، وَالْمُنْذِرِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ الْمُهَذَّبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ لَهُ إِلَى جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي إِذَا لَقِيَ رَكْبًا» فَذَكَرَهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُلَبِّي رَاكِبًا، وَنَازِلًا، وَمُضْطَجِعًا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا هَبَطُوا وَادِيًا أَوْ عَلَوْهُ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الرِّفَاقِ، وَعِنْدَ خَيْثَمَةَ نَحْوُهُ وَزَادَ: وَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ. انْتَهَى مِنَ التَّلْخِيصِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» : سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَعَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَيَسْتَأْنِسُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ، بَابُ التَّلْبِيَةِ: إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ قَالَ: «أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي» وَقَالَ فِي «الْفَتْحِ» فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّهَا تَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْهُبُوطِ كَمَا تَتَأَكَّدُ عِنْدَ الصُّعُودِ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ التَّلْبِيَةِ فِي حَالِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ، وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُلَبِّي فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ: مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُقْتَدَى بِهِ يُلَبِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute