للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْفُسُوقُ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ: يَهْوِينَ فِي نَجْدٍ وَغَوْرًا غَائِرَا فَوَاسِقًا عَنْ قَصْدِهَا جَوَائِرَا

يَعْنِي بِقَوْلِهِ: فَوَاسِقًا عَنْ قَصْدِهَا: خَوَارِجَ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي كَانَتْ تَقْصِدُهَا.

وَالْأَظْهَرُ فِي الْجِدَالِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ الْمُخَاصَمَةُ وَالْمِرَاءُ: أَيْ لَا تُخَاصِمْ صَاحِبَكَ وَتُمَارِهِ حَتَّى تُغْضِبَهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ: أَيْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مِرَاءٌ وَلَا خُصُومَةٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ أَوْضَحَ أَحْكَامَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ اللَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، مِنْ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [٢ \ ١٩٦] ، وَمِنْ ذَلِكَ تَغْطِيَةُ الْمُحْرِمِ الذَّكَرِ رَأْسَهُ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ فَمَاتَ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ تَخْمِيرِ الرَّأْسِ، وَفِيهَا النَّهْيُ عَنْ تَخْمِيرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَفِي بَعْضِهَا: النَّهْيُ عَنْ مَسِّهِ بِطِيبٍ، وَفِي بَعْضِهَا: النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَأَنْ يُغَطُّوا وَجْهَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ الذَّكَرِ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُغَطِّي رَأْسَهَا، وَلَا تُغَطِّي وَجْهَهَا، إِلَّا إِذَا خَافَتْ نَظَرَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ إِلَيْهِ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ ذَلِكَ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٍ بِالْبَدَنِ، أَوْ بَعْضِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُغَطِّي الرَّأْسَ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا: فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الْقَمِيصِ، وَلَا الْعِمَامَةِ، وَلَا السَّرَاوِيلِ، وَلَا الْبُرْنُسِ، وَلَا الْقَبَاءِ، وَلَا الْخُفِّ إِلَّا إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا: فَلَهُ أَنْ يَلْبَسَ السَّرَاوِيلَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا.

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانُ. وَهَذِهِ أَدِلَّةُ مَنْعِ مَا ذُكِرَ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ الْمُحْرِمُ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلِيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>