قال النووي في المجموع ما نصه:"وأما ما ذكروه من فعل أهل المدينة فقال أصحابنا سببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافا ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأرد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادت ست عشرة ركعة، وأوتروا بثلاث فصار المجموع تسعا وثلاثين والله أعلم".
قال الزركشي وهو من أعلام المائة الثامنة في كتابه:(إعلام الساجد بأحكام المساجد) ص٢٦٠: ما نصه: "قال الماوردي والروياني: اختلفوا في السبب في ذلك على ثلاثة أقوال: أي سبب الزيادة على العشرين المذكورة:
أحدها: أن أهل مكة كانوا إذا صلوا ترويحة طافوا سبعا إلاّ الترويحة الخامسة فإنهم يوترون بعدها، ولا يطوفون فتحصل لهم خمس ترويحات وأربع طوافات فلما لم يكن لأهل المدينة مساواتهم في أمر الطواف الأربع، وقد ساووهم في الترويحات الخمس، جعلوا مكان كل أربع طوافات أربع ترويحات، زوائد فصارت تسع ترويحات، فتكون ستا وثلاثين ركعة لتكون صلاتهم مساوية لصلاة أهل مكة وطوافهم.
والثاني: السبب فيه أن عبد الملك بن مروان كان له تسعة أولاد فأراد أن يصلي جميعهم بالمدينة فقدم كل واحد منهم فصلى ترويحة فصارت ستا وثلاثين.
والثالث: أن تسع قبائل من العرب حول المدينة تنازعوا في الصلاة، واقتتلوا فقدم كل قبيلة منهم رجلا، فصلى بهم ترويحة فصارت سنة والأول أصح"، انتهى منه.
والظاهر أن السبب الحقيقي إنما هو الأول فقط لأنّ الثاني وإن كان يعطينا فكرة عن أبناء الأمراء والخلفاء ومنازل الشرف وميادين المنافسة بالتقدم إلى الصلاة بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاّ أنه كان من الممكن حصول ذلك لهم بالتناوب لكل واحد ليلة، ويبقى العدد على ما هو عليه.
أما الثالث: فهو فضلا عن أنّ فيه صورة العصبية فإنّه أبعد أن يكون في الصدر الأول، ولا سيما للمسجد إمام مسؤول عنه، وقد صلوا جميعا بصلاته فريضة العشاء، فكيف يتنازعون عليه في النافلة.