"وإننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا صريحا يعتمد عليه في تسمية المهدي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم فيه باسمه".
والجواب أنه ورد فيه أحاديث كثيرة صحيحة قال بصحتها وثبوتها أهل الصناعة الحديثية قديما مثل الترمذي وأبي الحسين الآجري وابن جعفر العقيلي وابن حبان البستي وأبي سليمان الخطابي والإمام البيهقي والقاضي عياض والقرطبي صاحب التفسير المشهور والحافظ الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والحافظ عماد الدين بن كثير وغيرهم وحديثا بعد القرن العاشر مثل الشيخ علي القارئ والشيخ عبد الرؤوف المناوي والشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني والشيخ صديق حسن خان وغيرهم وممن استقرأها وتتبعها وهو من المحدثين القاضي محمد بن علي الشوكاني مؤلف كتاب نيل الأوطار قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح:"والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديث فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف المتواتر عليها هو أقل منها في جميع الاصطلاحات المقررة في الأصول وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" انتهى.
ومن أوضح الأحاديث في ذلك الحديث الذي أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة" قال ابن القيم بعد أن أورده في كتابه المنار المنيف: "وإسناده جيد وهو مبين لحديث جابر عن مسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمه الله لهذه الأمة".
٢١- قال الشيخ ابن محمود في ص ٨٣. سألني غير واحد عن حديث " إن الله يبعث على رأس كل مائة عام سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها" فيسألون هل هذا حديث؟ وهل هو صحيح أو غير صحيح؟ فأجبتهم بأن هذا الحديث رواه أبو داود وصححه الحافظ العراقي والعلامة السخاوي" وفي ص ٨٤ ذكر حديثا ثم قال: "ومثله ما رواه الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خيرا أم أخره" قال الحافظ أبي بن حجر في فتح الباري: "هذا الحديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة" قال: "وصححه ابن حبان من حديث عمار" انتهى.
أقول: إن المسلك الذي سلكه الشيخ ابن محمود في بيان حكم هذين الحديثين هو المسك الأرشد والمنهج الأحمد إذ عول على حكم من هو أهل للحكم على الأحاديث وتبع أهل الاختصاص في اختصاصهم وكان ينبغي له أن يسير في هذا الاتجاه في معرفة درجه الأحاديث الواردة في المهدي وإذا اقتصرنا على معرفة حكم هؤلاء الحفاظ الأربعة على الأحاديث الواردة في المهدي نجد أن السخاوي اعتبر أحاديث المهدي من قبيل الأحاديث المتواترة إذ ذكر ذلك في جملة الأمثلة والأحاديث المتواترة وذلكَ في كتابه (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث) للحافظ العراقي ونجد أنه أيضا ألف في أحاديث المهدي كتابا سماه (ارتقاء الغرف) ذكره في كتابه المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة وقال العجلوني في كشف الخفاء: "ورد ذكره - أي المهدي - في أحاديث أفردها بعض الحفاظ بالتأليف منهم الحافظ السخاوي في كتاب ارتقاء الغرف" الخ.
أما الحافظ العراقي فلم أقف له على كلام بشأن أحاديث المهدي لكن ابنه وتلميذه الحافظ ولي الدين آبازرعه العراقي قد جمع طرق أحاديث المهدي ذكره في مؤلفاته ابن فهد في ذيله على تذكرة الحفاظ للذهبي وأما الحافظ ابن حجر العسقلاني فقد نقل كلام أبي الحسن الأبري في تواتر أحاديث المهدي وسكت عليه وذلك في فتح الباري وفي تهذيب التهذيب كما ذكر جملة من أقوال أهل العلم في ثبوت خروج المهدي في آخر الزمان وذلك في كتابه