الخير وإنما سنة الله في خلقه أن يكون الصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة الدنيا ففي بعض الأزمان يقوى جانب الخير على جانب الشر وأحيانا يقوى جانب الشر ولا تخلو الأرض من أهل الخير إلا في الذين تقوم عليهم الساعة وفي زمان المهدي يكون جانب الحق قويا والخير منتشرا كما هو الشأن في صدر الإسلام وسبق في رقم ٢١ أن ابن حبان كما نقله عنه الحافظ في فتح الباري استدل بأن حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه" ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
رابعا: قوله: "وعلى كل حال فإنه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي ولا زمانه ولا مكانه ولا الإيمان" به جوابه أن هذا الحديث وغيره من الأحاديث في معناه هي في المهدي الذي يخرج في آخر الزمان كما عليه علماء الحديث كما مر بيانه في الفقرة الأولى من الكلام على هذا الحديث وأما زمانه فقد أوضحت الأحاديث أنه يكون في زمن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وزمن الدجال وأما مكانه فإنه يكون عند نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء في أرض الشام في بيت المقدس كما ورد في بعض الأحاديث إذ يصلي خلف المهدي ثم يخرج لقتل الدجال. وأما الإيمان به فمذهب أهل السنة والجماعة التصديق بما صح من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك خروج المهدي والدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء وغير ذلك.
خامسا: قوله: "ولا يمنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين" جوابه أن يقال وما المانع أن يكون المقصود به المهدي الذي يخرج في آخر الزمان الذي هو قول العلماء المحدثين أوعية السنة وجهابذة الأمة وهو الذي يقتضيه لفظ الحديث في قوله: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد.." ثم إن الشيخ ابن محمود قال في أول الكلام على هذا الحديث: "على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يحتمل أن يكون من المحال" ثم في آخر الكلام على الحديث قال: "ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين"، فالشيء الذي كان في أول الكلام على الحديث يحتمل أن يكون من المحال، أصبح مثله في الكلام على آخر الحديث من الممكن، وهكذا شأن الكلام المفتقر إلى التحقيق ينقض أخره أوله.
هذه أمثلة من كلامه على أربعة أحاديث وهي مقياس ونموذج لكلامه على بقية الأحاديث التي أوردها في فصل التحقيق المعتبر البالغ عددها جميعا أحد عشر عقبت كلامه بما يوضح بأنه كلام يفتقر إلى التحقيق المعتبر وأدهى من ذلك وأمر اغتباطه بهذا التحقيق وقوله أنه تكلم على الأحاديث بما لا مزيد عليه والله المستعان وإن تعجب فعجب قوله:"إنهم- يعني الذين يقولون بصحة الأحاديث في خروج المهدي- لو رجعوا إلى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا وفكروا في الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ومتواترة وقابلوا بعضها ببعض لظهر لهم بطريق اليقين أنها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا بالفظ ولا بالمعنى" فإن مما لا شك فيه أن الشيخ ابن محمود يعتبر هذه الإحالة هنا إحالة على مليء وكذلك الإحالة في قوله في ص ٨: "وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم بما لا مزيد عليه فليراجع" لكن الواقع أن أي طالب علم له إلمام قليل في معرفة الحديث الشريف يرجع إلى هذا الفصل يجد النتيجة بالعكس كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
فأنا أحد طلاب العلم الصغار قصير الباع قليل الإطلاع لما رجعت إلى ذلك الفصل أسفت كثيرا وأشفقت على فضيلة الشيخ ابن محمود -حفظه الله- إذ زج بنفسه في لجج لا يجيد السباحة فيها وتذكرت قول الشيخ أحمد شاكر في ابن خلدون إذ قال:" أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها وتهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة.." وإذا كان هذا رأي طالب العلم الصغير فما الشأن في العلماء الكبار في الحاضر والمستقبل عندما يقفون على هذه الرسالة والفصل الذي اشتملت عليه؟.