وأهل السنة والجماعة لا يترددون في تصديق ما صح عنه من أخبار ويعتقدون أن ما صح إخباره به لا بد أن يقع على النحو الذي أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه.
فمن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بمجيء أويس القرني من اليمن وذكره صلى الله عليه وسلم له باسمه وبيان بعض صفاته وقد حصل مصداق خبره صلى الله عليه وسلم بذلك على النحو الذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم بسنده عن أسير بن جابر قال:"كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه إمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى عليه أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن، قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم، قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي، فاستغفر له، قال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عمر رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم".
ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم عن اثنين من ثقيف بوصفهما أحدهما كذاب والثاني مبير وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فالكذاب هو المختار بن أبي عبيد الثقفي والمبير أي المهلك الحجاج بن يوسف الثقفي وقد قالت ذلك للحجاج أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: "أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه". قال النووي في شرحه صحيح مسلم: "واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم" انتهى.
هذان مثالان لما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن أشخاص في زمن قريب من زمن النبوة أحدهما في جانب المدح والثاني في جانب الذم وقد صدق خبره صلى الله عليه وسلم فيهما على النحو الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم، أما في الزمن البعيد عن زمن النبوة فقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت عنه في خروج المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وذلك في آخر الزمان ولا بد من وقوع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم طبقا لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن أمور مغيبة هو من الإيمان بالغيب الذي امتدح الله أهله، وأما الدعاوى الكاذبة التي تحصل من متمهدين دجالين في بعض الأزمان وما ينتج عنها من فتن فإن ذلك لا يقدح بالحقيقة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أوضحت ذلك في رقم (٤) .
٣٠ - وقال الشيخ ابن محمود في ص٢٥: "ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة