بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جمل من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله" انتهى كلام النووي.
ومما يوضح عدم استيعاب البخاري الصحيح وعدم التزامه بذلك أيضا أنه جاء عن البخاري أنه قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائي ألف حديث غير صحيح" مع أن جملة ما في صحيحه من الأحاديث المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في ذلك الأحاديث المعلقة لا تبلغ عشرة آلاف حديث وأيضا استدراك الحاكم على البخاري ومسلم أحاديث على شرطيهما وشرط واحد منهما لم يخرجاها وهي كثيرة جدا أوردها في كتابه المستدرك على الصحيحين وقد صححها الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص على تصحيح الكثير منها.
ثانيا: أن الصحيح من الحديث كما أنه موجود في الصحيحين فهو موجود خارجهما في الكتب المؤلفة في الحديث النبوي كالموطأ وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرها وهو أمر واضح غاية الوضوح.
ثالثا: أن المقبول من الحديث عند المحدثين أربعة أنواع هي الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره؛ ومعلوم أن الحديث الصحيح موجود في الصحيحين وفي غيرهما أما الحسن فوجوده في غير الصحيحين وقد ذكر هذه الأنواع الأربعة العلماء ومنهم الحافظ ابن حجر في شرحه نخبة الفكر حيث قال:
"وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ وهو الصحيح لذاته وهذا أول تقسيم المقبول إلى أربعة أنواع لأنه إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أولا، الأول الصحيح لذاته والثاني إن وجد ما يجبر ذلك القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح أيضا لكن لا لذاته وحيث لا جبران فهو الحسن لذاته وإن قامت قرينة ترجح جانب قبول ما يتوقف فيه فيكون الحسن أيضا لكن لذاته".
رابعا: أن العلماء قسموا الصحيح إلى سبع مراتب مرتبة حسب القوة على النحو التالي:
١- صحيح اتفق على إخراجه البخاري ومسلم.
٢- صحيح انفرد بإخراجه البخاري عن مسلم.
٣- صحيح انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري.
٤- صحيح على شرطهما معا ولم يخرجاه.
٥- صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه.
٦- صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
٧- صحيح لم يخرجاه ولم يكن على شرطهما معا ولا على شرط واحد منهما.
وهذه المراتب السبع للصحيح ذكرها أبو عمرو وابن الصلاح في كتابه علوم الحديث والحافظ ابن حجر في شرحه نخبة الفكر وغيرهما وليس في الصحيحين من هذه المراتب إلا الثلاث الأولى، أما الأربع الباقية فلا وجود لها إلا خارج الصحيحين. ولم يزل من دأب العلماء في جميع العصور الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة بل والحسنة الموجودة خارج الصحيحين والعمل بها مطلقا واعتبار ما دلت عليه دون إعراض عنها أو تعرض للحط من شأنها والتقليل من قيمتها، ومن أمثلة ذلك في أمور الاعتقاد الحديث المشتمل على العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم فإنه في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره وليس في الصحيحين ومع ذلك اعتقدت الأمة موجبه بناء على ذلك وكذا الحديث الذي فيه تسمية الملكين اللذين يسألان الميت في قبره بمنكر ونكير لم يرد في الصحيحين وقد اعتقد موجبه أهل السنة.
خامسا: مما سبق يتضح أنه يجب التصديق والعمل بالأحاديث الصحيحة سواء كانت في الصحيحين أو في غيرهما ومن ذلك أحاديث المهدي على أن بعض الأحاديث الواردة في المهدي أصلها في الصحيحين ومن ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي