للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الناظر فيه مضطلعاً من العلوم لاسيما الأدب، له قدرة على صعود ذروتي النظم والنثر بل على ارتقاء درج البلاغة، إلى طبقة حل المنظوم ونظم المنثور والإستشهاد بما يحتاج إليه من الكتاب العزيز بآيات في المعنى الذي رسم له.

وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وسير الخلفاء وأخبار الملوك، وتواريخ العجم، وأيام العرب، ووقائعها وأمثالها، إلى غير ذلك من الفنون التي يطول شرحها ووصفها، وهو باب متسع، وعر المسلك، عزيز الوجود جداً".

والظاهر أن وظيفة رئيس ديوان الإنشاء، وما ينبغي أن يكون حاصلاً عنده من العلوم والمعارف والأخلاق، قد حظيت بعناية كبيرة في العصر الفاطمي، وقد دون ابن منجب الصيرفي ذلك في كتابه قانون ديوان الرسائل، ولما كان كتاب الدواوين في العصر الأيوبي قد أشاروا إلى هذه الوظيفة في كلمات مقتضبة، إلا أنها تدل على خطورة مكانة صاحبها، وأهمية الدور الذي يؤديه في الجهاز الحكومي للدولة الأيوبية، فقد رأينا أن نذكر الشروط الأساسية الواجب توافرها في رئيس ديوان الإنشاء التي تعتبر من وجهة نظرنا قواعد عامة سارت عليها الدولة الأيوبية فيمن يتولون العمل بهذا الديوان، خاصة وأن القاضي الفاضل وزير السلطان صلاح الدين ورئيس ديوان الإنشاء في عصره، تربى في الدولة الفاطمية، وتولى رئاسة الديوان في أيام العاضد آخر خلفائها، واستمر في عمله حنى نهاية عمره في عهد الدولة الأيوبية.

فهو إذن امتداد طبيعي لهذه الوظيفة التي يقول عنها ابن منجب الصيرفي ما فحواه: "أن يكون ذا دين وورع وأمانة، ونزاهة نفس، ويجب أن يكون دينه الإسلام، لأنه من الملك بمنزلة الوزير، وأن يكون متمذهباً بالمذهب الذي عليه الملك، ويجب أن يكون من يختار لهذه المرتبة ممكنا من عقله، ويجب أن يكون أصيلاً في قومه، رفيعا في حسبه، ويجب أن يكون صبيح الوجه، فصيح الألفاظ، طلق اللسان، ويجب أن يكون وقورا حليما، مؤثرا للجد على الهزل، محبا للشغل أكثر من محبته للفراغ، مقسما للزمان على أشغاله، كثير الأناة، قليل العجلة والحذق، نزر الضحك، مهيب المجلس، ساكن الظل، وقور النادي، حسن اللقاء، لطيف الإجابة، شديد الذكاء، متوقد الفهم، حسن الكلام إذا حدث، حسن الإصغاء إذا حُدث، سريع الرضا، بطيء الغضب، رؤوفا بأهل الدين ساعيا في مصالحهم محبا لذوي العلم والأدب، راغبا في نفعهم، يغلب هوى الملك على هواه ورضاه على رضاه، ما لم ير في ذلك خللا على المملكة، فإنه يجب أن يهدي النصيحة للملك، من غير أن يوجد أن فيما تقدم من رأيه فسادا أو نقصا، ولكن يتحيل لنقص ذلك وتهجينه في نفسه،

<<  <  ج: ص:  >  >>