كَانَ فِعْلُ زَيْدٍ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَبْطَلَ دَمَهُ»؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَاغِيًا بِذَلِكَ وَكَذَا إذَا شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ، وَإِنْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِاللَّيْلِ وَلَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ، فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ عَصَا لَا يَلْبَثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا كَمَا فِي السَّيْفِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصَا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَصَا تَلْبَثُ وَالْغَوْثَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ فِي الْمِصْرِ، فَكَانَ بِالْقَتْلِ مُتَعَدِّيًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُمَا حَتَّى يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى هَذَا الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك وَكَوْنُ الدَّابَّةِ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ إذَا شَهَرَ سَيْفًا عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَتَلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا إذَا أَتْلَفَا مَالًا أَوْ نَفْسًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ بِخِلَافِ فِعْلِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعَجْمَاءَ جُبَارٌ وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا بِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِعِصْمَتِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ وَيَضْمَنُ الدَّابَّةَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ.
؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ أَبَاحَ قَتْلَهَا مُطْلَقًا لِتَوَهُّمِ الْإِيذَاءِ مِنْهَا فَمَا ظَنُّك عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِيذَاءِ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ لَمْ يَأْذَنْ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ وَكَذَا عِصْمَةُ عَبْدِ الْغَيْرِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَفِعْلُهُ مَحْظُورٌ فَيَسْقُطُ بِهِ عِصْمَتُهُ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا وَلَا الضَّمَانُ بِفِعْلِ الدَّابَّةِ فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ) مَعْنَاهُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ إنَّ الْمَضْرُوبَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ ضَرَبَ الضَّارِبَ وَهُوَ الشَّاهِرُ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
لِأَنَّ الشَّاهِرَ لَمَّا انْصَرَفَ بَعْدَ الضَّرْبِ عَادَ مَعْصُومًا مِثْلَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ فَإِذَا انْكَفَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا انْدَفَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهَا فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ وَقَصَدَ قَتْلَهُمْ صَارَ حَرْبًا عَلَيْهِمْ فَكَانَ كَالْبَاغِي فَبَطَلَتْ عِصْمَةُ دَمِهِ لِلْمُحَارِبَةِ قَالَ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] فَجَازَ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ شَهَرَ عَلَيْهِمْ السَّيْفَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ دَفْعًا لِلشَّرِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ دَفْعَ الشَّرِّ وَاجِبٌ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعُوا الشَّرَّ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» يَعْنِي إذَا كَانَ ظَالِمًا تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ، وَإِذَا كَانَ مَظْلُومًا تَمْنَعُ الظُّلْمَ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ) مِنْ اللُّبْثِ الْإِبْطَاءِ وَالتَّأَخُّرِ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ قُبَيْلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ بِقَتْلِهِمَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ اهـ.
(فَرْعٌ) وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مِنْ ثُقْبٍ أَوْ شَقِّ بَابٍ أَوْ نَحْوِهِ فَطَعَنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا يَضْمَنُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنِ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ وَفَقَأَتْ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سُفْيَانَ «أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُكُّ رَأْسَهُ وَمُدَارَةٌ فِي يَدِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهَا فِي عَيْنِك» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ»، وَهُوَ عَامٌّ؛ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ لَا يُبِيحُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ فِي بَيْتِهِ وَنَظَرَ فِيهِ وَنَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute