طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا وَكَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يَرَى جَمِيعُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَ لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ
وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمُّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَلَا يُطَلِّقُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّ طَلُقَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِمَعَانٍ خَفِيَّةٍ بَلْ بِمَعَانٍ جَلِيَّةٍ،
أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّخْصَ وَالْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ وَالِاسْتِبْرَاءَ وَتَوَجُّهَ الْخِطَابِ يُنَاطُ بِالسَّفَرِ وَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَحُدُوثِ الْمِلْكِ مَعَ الْيَدِ وَالْبُلُوغِ دُونَ الْمَشَقَّةِ وَخُرُوجِ النَّجَسِ وَالْإِنْزَالِ وَشَغْلِ الرَّحِمِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً تَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ الْمَرْضِيِّ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ إلَّا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ مَرْدُودَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِيهِ تُهْمَةٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهَا بِإِخْبَارِهَا وَفِي غَيْرِهَا بِحَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ
فَإِنْ قِيلَ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ الْعَذَابِ أَمْرٌ تَأْبَاهُ الْعُقُولُ قُلْنَا احْتِمَالُ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهَا ثَابِتٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ دَرَجَةً يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا إيَّاهُ عَلَى إيثَارِ الْعَذَابِ عَلَى صُحْبَتِهِ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ فَلَا يُفِيدُ تَقْيِيدُهَا بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخَلْفِيَّةَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا فَنُقِلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا
وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي قَلْبِهَا حَقِيقَةً يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْإِخْبَارِ كَيْفَمَا كَانَ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِكَوْنِهِ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْإِسْنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. اهـ. (فَرْعٌ) فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوَ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ، وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الشَّرْطَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي) يَجُوزُ بِنُونِ الْعِمَادِ وَيَجُوزُ بِتَرْكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْمُضَارِعِ الَّذِي فِي آخِرِهِ نُونُ الْإِعْرَابِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا) أَيْ أَنَّ الْقَلْبَ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجِنَايَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ هَذَا لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَحَبَّةِ.
(قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ دَوْرِ الدَّمِ وَتَرْكِهِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي اهـ مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِطَاهِرَةٍ أَنْتِ