النبي صلى الله عليه وسلم أقل من رواية من لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا مدة يسيرة ولم يكن لهم من الاختصاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فالذي لا يشك فيه أن أبا وعمر رضي الله عنهما قد حفظا عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا.. ولا يبعد أن يكون ما حفظاه من الحديث أكثر مما حفظه بعض المكثرين من الرواية. ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس في مرضه الذي مات فيه وأنه صلى الله عليه وسلم أقره على الصلاة بالناس لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" فدل على أن أبا بكر رضي الله عنه أعلم بالسنة من جميع الصحابة رضي الله عنهم. وعلمه بالسنة إنما تكون بكثرة الرواية والحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والفهم لأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم والعلم بأفعاله وسيرته وهديه. وكان رضي الله عنه يفتي ويأمر وينهى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يفعل من ذلك شيئا إلا بما علمه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة رضي الله عنهم في زمن ولاية أبي بكر رضي الله عنه يرجعون إليه في المسائل التي يتنازعون فيها فيفصل بينهم ويرتفع النزاع بينهم بسببه ولم يكن يرجع إليهم إلا في القليل النادر. وهذا يدل على غزارة علمه وكثرة روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان أكثر الصحابة أو من أكثرهم حفظا لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله. وقد تقدم ما رواه ابن سعد في الطبقات عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر ما أعلم غيرهما.
وأما قلة الرواية عن أبي بكر رضي الله عنه فلها أسباب كثيرة. منها قصر مدته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لم يتمكن الناس من إكثار الرواية عنه.
ومنها أن كبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا متوافرين في زمن الصديق رضي الله عنه فكان الناس يكتفون بسؤالهم وأخذ الحديث عنهم عن الرجوع إلى الصديق رضي الله عنه لأنه كان مشغولا بالنظر في أمور الرعية عن الجلوس للتحديث.