للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العلماء فبرع في العلوم الدينية واللغوية والأدبية، ولكنه منذ شبابه أظهر ميلًا عظيمًا للشعر ولا سيما الموشح، هذا الفن الجديد الذي وجد فيه طريقه ووافق نفسه وهواه، بعد أن انبعث في بلاد الأندلس وازدهر فيها. ومع أن ابن سناء الملك يعترف بأنه لم يأخذ هذا الفن عن أستاذ أو شيخ، ولم يتعلمه في كتاب، فإننا نؤكد أنه كان على معرفة بآثار الوشاحين الأندلسيين أو الغربيين كما يسميهم كالأعمى، وابن بقي، وعبادة، والحصري وغيرهم١، فهو يذكرهم في كتابه ويتحسر لعجزه عن بلوغ شأوهم.

كان ابن سناء الملك، تحت تأثير تيار التأنق اللفظي الذي كان يسيطر على الأدب في ذاك العصر، يعجب، على الأخص، بالشعراء الذين كانوا يهتمون بالصنعة وضروب البيان والبديع، ولهذا كان يفضل، من بين القدماء، أبا تمام والبحتري ويود لو يستطيع مجاراة ابن المعتز الذي يذكر له هذين البيتين بإعجاب٢:

وقفت بالربع أبكي فقد مشبهه ... حتى بكت بدموعي أعين الزهر

لو لم تعرها دموع العين تسفحه ... لرحمتي لاستعارته من المطر

وقد تمكنت منذ شبابه أواصر الصداقة بينه وبين القاضي الفاضل، فكان يجتمع إليه بالقاهرة كما كان يجتمع إليه خارج مصر، ويعرض عليه آثاره ويتقبل ملاحظاته ثم يناقشه في أمور الشعر والأدب، ولهذا كنا نرى شاعرنا يرحل إليه عدة مرات عندما كان القاضي الفاضل بدمشق؛ فيجتمع إليه، ويتحدث معه حتى إذا ما افترقا أخذا في تبادل الرسائل والكتب. وقد حفظ لنا قسم من هذه الرسائل في كتاب صنفه شاعرنا


١ انظر ترجمتهم في نهاية الكتاب.
٢ انظر كتاب: "فصوص الفصول وعقود العقول" لابن سناء الملك، مخطوط باريس رقم ٣٣٣٣.

<<  <   >  >>