وظن أنَّ يهود خيبر قد دَسُّوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت، فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات، ونوبات غريبة ... إلخ» (٢٨).
ولا يعنينا أنْ نناقش القبح والفحش الذي كتب به المؤلف ما كتبه عن نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلاَةِ وَالسَّلاَمُ - بأبي هو وأمي وبنفسي وبالناس أجمعين - فليس هذا مجال مناقشته، ولكن الذي يعنيني أنْ أضبط هذا المُسْتَشْرِقَ العلاَّمة، مُتَلَبِّساً بخيانة المنهج، وذلك قوله:«وَظَنَّ أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ قَدْ دَسُّوا لَهُ السُمَّ فِي اللَّحْمِ». فهذا التعبير بـ «ظَنَّ» يريد به أنْ ينفي صحة الخبر، ليبرئ اليهود بالتالي من جريمة محاولة قتله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسُمِّ، ومن قتل الصحابي الجليل الذي أكل معه.
وهذا الخبر (خبر دس السم) موجود مشهور في مصادر السيرة النبوية المختلفة، فقد أورده ابن هشام في سياق غزوة خيبر، وأورده ابن سعد في " طبقاته "، ورواه " البخاري " في غير موضع: ٥/ ١٧٦، و " مسلم ": ٧/ ١٤ - ١٥ كلاهما من حديث أنس، وأحمد برقم ٢٨٨٥ من حديث ابن عباس و " أبو داود ": ١/ ١٤٦، و " الدارمي ": ١/ ٣٣ عن جابر ... [وفيه اعتراف اليهود بدس السم وعفو الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن هذا الجُرْمِ الفظيع، مع موت الصحابي الجليل البراء بن معرور بهذا السُمِّ].
ومع ثبوت هذا الخبر ووفرة مصادره تأبي (الأمانة العلمية) و (الحيدة الأكاديمية) و (منهج البحث) على هذا المُسْتَشْرِق العتيد إلاَّ أنْ يُزَيِّفَ ويُحَرِّفَ، فينكر الخبر، وينسب الحادثة في إيجاز بارع إلى مجرد ظَنٍّ ووهم.
وعلى حين ينكر هذا الخبر الثابت، يُحَرِّفُ وَيُزَيِّفُ خبراً آخر، يزيد فيه وينقص منه.
فيقول في ص ٧٧ وهو يتحدَّثُ عن الثراء الذي جاء المسلمين نتيجة للفتح:« ... وكان للزبير بيوت في عدة مدن مختلفة، وكان يمتلك ألف جواد، وعشرة آلاف عبد ... ».
(٢٨) الجزء الثاني من المجلد الرابع، مسلسل رقم ١٣ ص ٤٦ سطر ٧ - ١٠.